للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يظهر لي أن الدكتور مصطفى وهو في طريق أوبته وتوبته لا يزال متأرجحا يمنة ويسرة يبحث عن المكان الذي يستقر فيه؛ ولذا برزت طاهرة في تفسيره أكدها كل من كتب عنه فيما قرأت ظاهرة التناقض ولو عدت لما كتبت عنه في الصفحات السابقة لوجدت بعضا منها، وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على أن فكره لا يزال يبحث عن الحقيقة التي فقدها فيحسبها حينا هناك فيقررها ويحسبها حينا هناك فيقررها، وقد يكون مخطئا في الحالتين؛ فعليه إن أراد كتابة جادة أن يعيد النظر فيما كتب ويستقر على رأي فيما تناقض فيه، ولا ينسى ما قرره في موضع عند خوضه غمار قضية أخرى.

وبعد:

ليس ما ذكرت هو كل مواضع انحرافه، وليس ما ذكرت هو أهمها؛ ففيما لم أذكر أكثر وأخطر مما ذكرت؛ وإنما صرفني عن بيانه أني قد كفيت ذلك، فإن كان عند الدكتور رغبة في الحق فقد بينه غيري ممن هو أرفع مني درجة وأعلى مقاما ولا أظنه إلا كذلك إن شاء الله يؤيد هذا رجوعه عن كثير من آرائه في الطبعات الأولى.

وهو في غير تخصصه رجل مثقف١ بمدلولها الحديث وهو الرجل الذي أخذ من كل علم بطرف؛ لكن هل هذا بهذه الصفة يصلح لتفسير القرآن الكريم؟! لندع أمر التفسير، رجل كمثله تخصص في الأمراض الصدرية هل يحق له أن يعالج أمراض العين والسنان والعظام و.. و.. إلخ؟ فضلا عن أن يكون مهندسا للطرق أو الإنشاءات أو خبيرا زراعيا أو عالما في طبقات الأرض أو طيارا إلخ؟ إن مثل هذا لو فعل ذلك سيجني في عمله جناية كبيرة سيفسد العين والأسنان ويتلف الزرع والثمار، وسيعتبر دخيلا في مهنته وسيلومه الناس صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم إن لم توضع في كفيه القيود ويدخل السجون.


١ قال ابن منظور في لسان العرب ج٩ ص١٩: رجل ثقف وثقف وثقف: حاذق فهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>