للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا} ١ إشكالا، ووجه الإشكال أن الله صرح بكذبهم في هذه الدعوى التي ظاهرها حق. وأجاب عن هذا بأن مراد الكفار بقولهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} ، وقولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} , مرادهم به: أن الله لما كان قادرا على منعهم من الشرك وهدايتهم إلى الإيمان ولم يمنعهم من الشرك دل ذلك على أنه راضٍ منهم بالشرك في زعمهم, قالوا: لأنه لو لم يكن راضيا به لصرفنا عنه, فتكذيب الله لهم في الآيات المذكورة منصب على دعواهم أنه راض به والله جل وعلا يكذب هذه الدعوى في الآيات المذكورة, وفي قوله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} ٢.فالكفار زعموا أن الإرادة الكونية القدرية تستلزم الرضى وهو زعم باطل وهو الذي كذبهم الله فيه في الآيات المذكورة٣.

إلى أن قال رحمه الله تعالى: وحاصل هذا أن الله تبارك وتعالى قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلق الخلق، وعلم أن قوما صائرون إلى الشقاء وقوما صائرون إلى السعادة، فريقا في الجنة وفريقا في السعير.

وأقام الحجة على الجميع، ببعث الرسل وتأييدهم بالمعجزات التي لا تترك في الحق لبسا, فقامت عليهم حجة الله في أرضه لذلك، ثم إنه تعالى وفق من شاء توفيقه، ولم يوفق من سبق لهم في علمه الشقاء الأزلي٤، وخلق لكل واحد منهم قدرة وإرادة يقدر بها على تحصيل الخير والشر وصرف قدرهم وإرادتهم بقدرته وإرادته إلى ما سبق لهم في علمه من أعمال الخير المستوجبة للسعادة، وأعمال الشر المستوجبة للشقاء فأتوا كل ما أتوا وفعلوا كل ما فعلوا، طائعين مختارين غير مجبورين ولا مقهورين: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ٥، {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ٦.


١ سورة النحل: من الآية ٣٥.
٢ سورة الزمر: من الآية ٧.
٣ أضواء البيان: محمد الأمين الشنقيطي ج٧ ص٢٢١، ٢٢٢ باختصار.
٤ كذا, ولعلها: "في علمه الأزلي" الشقاء.
٥ سورة الإنسان: الآية ٣٠.
٦ سورة الأنعام: من الآية ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>