للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن عددا كبيرا من سلف الشيعة تتلمذ لبعض شيوخ المعتزلة, كما يظهر لنا جليا أن هذا الارتباط في التفكير شيء قديم غير جديد١.

يقول محمد جواد مغنية في تفسير قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ٢ الآية: "والمراد بالحكمة والموعظة الحسنة الاعتماد على العقل فيما يستقل بإدراكه كالألوهية التي يتوصل الإنسان إلى معرفتها بالإمعان والتأمل في خلقه وفي خلق السموات والأرض، وكنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي يعرفها الباحثون من سيرته وطبيعة رسالته. أما منهج الإسلام في معرفة ما لا يستقل العقل بإدراكه من أصول العقيدة كبعض المغيبات فهو الاعتماد على وحي من الله إلى نبيه الذي ثبت بدليل العقل نبوته وصدقه فيما أخبر به عن الله جل وعز، أما المنهج لإثبات الشريعة فهو الكتاب والسنة والعقل ... "٣.

ومن المعلوم أن الشيعة لا توافق المعتزلة في كل ما ذهبت إليه من آراء وإلا لاتحدت الفرقتان وشق التمييز بينهما, ولكن الوشائج -لما ذكرنا- قوية ووجوه الشبه بارزة في الآراء الكلامية.

فذلكم محمد جواد مغنية يقول في تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} ٤، وتسأل: ظاهر الآية يدل على أن الله سبحانه هو الذي جعل أكابر المجرمين يجرمون ويمكرون بأهل الحق مع العلم بأنه تعالى ينهى عن المكر والإجرام، ويعاقب عليهما، فما هو التأويل؟ الجواب أن القصد من هذه النسبة إليه -جل ثناؤه- هو الإشارة إلى أن مشيئة الله قضت بأن تقوم السنن الاجتماعية على أساس التناقض بين المحقين والمبطلين، بين أرباب السلطان المعتدين وبين الناس المعتدى عليهم، ولا مفر من هذا التناقض


١ التفسير والمفسرون: الذهبي ج٢ ص٢٥.
٢ سورة النحل: من الآية ١٢٥.
٣ تفسير الكاشف: ج١ ص٥١.
٤ سورة الأنعام: من الآية ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>