للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جائزة عقلا؛ لأنه موجود وكل موجود يمكن رؤيته، وقال الإمامية والمعتزلة: لا تجوز الرؤية البصرية على الله بحال، لا دينا ولا دنيا؛ لأنه ليس بجسم، ولا حالا في جسم ولا في جهة. وبعد أن منعوا الرؤية عقلا حملوا الآيات الدالة بظاهرها على جواز الرؤية، حملوها على الرؤية بالعقل والبصيرة لا بالعين والبصر، وبحقائق الإيمان، لا بجوارح الأبدان على حد تعبير الفيلسوف الشهير الكبير محمد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بالملا صدرا، وبصدر المتألهين. ومما استدل به الملا صدرا على امتناع الرؤية قوله: "إن الإحساس بالشيء حالة وضعية للجوهر الحاس، بالقياس إلى المحسوس الوضعي، ففرض ما لا وضع له أنه محسوس, كفرض ما لا جهة له أنه في جهة".

ثم يستدل بقول الفيلسوف الإنجليزي جون لوك فيقول: "وانتقل ذهني وأنا أقرأ عبارة هذا العظيم -يعني الملا صدرا- إلى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك القائل بالواقعية النقدية، وملخصها أن للشيء صفات أولية ثابتة له واقعا، ولا تنفصل عنه إطلاقا، سواء أوجد من يدركها أم لم يوجد، كالعناصر المقومة المكونة للشيء ... وأيضا له صفات ثانوية نسبية لا توجد مستقلة عن ذات تحسها وتدركها كاللون والصوت والطعم, فاللون ليس صفة للشيء، كما يتراءى وإنما هو موجات ضوئية خاصة بين الشيء والعين عند العلماء، وأيضا الصوت موجات هوائية، والطعم لا وجود له لولا الفم، ومن هنا يختلف باختلاف الذائق صحة ومرضا ... واختصارا أنه لا لون بلا عين, ولا صوت بلا أذن, ولا طعم بلا فم، وليس من شك أن نور الله سبحانه يطغى على الموجات الضوئية وغيرها، وإذا انتفت هذه الموجات انتفت الرؤية"١؟!

ولا شك أن مثل هذا الزعم يخالف الشرع والعقل, أما مخالفته الشرع فإن الأدلة الكثيرة جاءت بإثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وهو نفسه يعترف بهذا, لكنه صرفها إلى الرؤية بالعقل والبصيرة مع أن ألفاظها لا تقبل أن تنصرف إلى الرؤية بالعقل والبصيرة.


١ تفسير الكاشف: محمد جواد مغنية ج١ ص١٠٧ و ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>