للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما مخالفته العقل, فإن ذات الله تعالى لا تشبه الذوات فلا يصح أن تقاس على مخلوقاته عز شأنه، فكيف نقيس رؤية الخالق على رؤية المخلوق, وذات الخالق على ذات المخلوق: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} .

وهذا ينطبق أيضا على تفسير محمد الصادقي لقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} ١، حيث قال: "نسبة الظن إلى الوجوه الباسرة والنظر إلى الرب للوجوه الناضرة هذه النسبة وتلك تصرفها عن وجوه الأبصار إلى وجوه البصائر, فالوجه الظاهر لا يظن وإنما يبصر، والبصر الظاهر لا ينظر إلى الرب ذاته إذ: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [٦: ١٠٣] ، وإنما البصيرة الباطنة هي التي تراه رؤية المعرفة دون كيفية ولا إحاطة, إضافة إلى أن النظر لا يستلزم الأبصار: {تَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [٧: ١٩٨] ، وأحرى بعدم الأبصار إذا كان المنظور إليه غير مبصر! ثم النص بعد ذلك كله: {إِلَى رَبِّهَا} ، لا إلى الله والربوبية هي الرحمة والثواب والنعمة, وأهمها المعرفة الناتجة عن غاية الربوبية" إلى أن قال: "فرؤيته تعالى بالبصر وحتى إدراكه والحيطة به بالبصيرة أنها مستحيلة في كافة العوالم لكافة العالمين ... فلا يمكن رؤيته بالبصر إلا إذا صار مبصرا كخلقه "!! " ولا إدراكه بالبصيرة إلا إذا صار خلقه مثله في الألوهية "!! " استحالة مزدوجة في خرافة الرؤية والإدراك والإحاطة, إذن فالمعنى من نظر الوجوه هو نظر المعرفة "!! " وانتظار الثواب والرحمة ... "٢.

ولا نستطرد بعد هذا في بيان تأثرهم بالمعتزلة في بعض الآراء الكلامية، وقد سبق الإشارة إلى سببه.


١ سورة القيامة: الآيات ٢٢-٢٥.
٢ الفرقان: محمد الصادقي ج٢٩ ص٢٨٥-٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>