للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق ما في الأرض وخلق بعده السموات بلا خلق شيء بين خلقهن وخلق ما في الأرض ووزن استوى: افتعل بمعنى تكلف السواء وهو أصل معناه وأطلق في اللغة على الاعتدال: تسوية وضع الأجزاء، تقول: استوى زيد على الأرض أي: جلس عليها جلوسا مستوية إليه أعضاؤه التي جلس بها معتدلا, ولا يصح حمل الآية على ذلك؛ لأنه من خواص الجسم والله -جل وعلا- ليس جسما ولا عرضا, لو كانت الآية على هذا المعنى لقال: ثم استوى في السماء أو على السماء لا {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} لكن الله -جل وعلا- لا يوصف بهذا المعنى ولو قال: في السماء أو على السماء لكان ماولا١ بالقهر والغلبة, ويجوز تأويل الآية بهما، لكن تأويلها بالقصد والإرادة أولى لأنه أقرب إلى أصل الاستواء وهو تكلف السواء ولتعديته بإلى وللتسوية المرتبة عليه بالفاء، وعن ابن عباس: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ارتفع إليها, وفي رواية صعد والمراد: ارتفاع أمره أو صعد أمره أو ارتفع إليها وصعد بقصد وإرادة, قال الطبري: علا أمره وقدرته وسلطانه، وقال ابن كيسان: قصد إلى السماء أي: بخلقه واختراعه؛ وذلك لأنه تعالى منزه عن الانتقال والحلول, والمراد بالسماء الجهة العليا التي فيها السموات؛ لأنه ليس فيها حين الاستواء إليها سماء ولا سموات"٢.

وفي تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ٣ قال: "و {اسْتَوَى} بمعنى استولى بالملك والغلبة والقوة والتصرف فيه كيف شاء, و {الْعَرْشِ} جسم عظيم, وذلك مذهبنا ومذهب المعتزلة وأبي المعالي وغيره من حذاق المتكلمين وخص العرش بذكر الاستيلاء لعظمه, ويصح أن يكون المعنى استوى أمره ولم يكن فيه عوج, فكنى عن ذلك باستوى على العرش"٤.

أما يمين الرحمن فأولها بقوله: "ويمين الرحمن عبارة عن المنزلة الرفيعة


١ كذا وردت, ولعلها: مؤولا.
٢ هميان الزاد ج١ ص٤٠٦.
٣ سورة الأعراف: من الآية ٥٤.
٤ هميان الزاد ج٦ ص٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>