للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي أودع في أنفسنا ونسميه قوة وفكرا, وهو في الحقيقة معنى لا يدرك كنهه وروح لا تكتنه حقيقتها, لا يبعد أن يسميه الله تعالى ملكا أو يسمي أسبابه ملائكة أو ما شاء من الأسماء فإن التسمية لا حجر فيها على الناس فكيف يحجر فيها على صاحب الإرادة المطلقة والسلطان النافذ والعلم الواسع ثم قال: "ولو أن نفسا مالت إلى قبول هذا التأويل لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك والعمدة على اطمئنان القلب وركون النفس إلى ما أبصرت من الحق وقد علق تلميذه السيد رشيد رضا على هذا بقوله: "إن غرض الأستاذ من هذا التأويل الذي عبر عنه بالإيماء وبالإشارة إقناع منكري الملائكة بوجودهم بتعبير مألوف عندهم, تقبله عقولهم"١.

ولا أشك في ضلال هذا النوع من التفسير الذي يصرف أخبار القرآن عن ظاهرها وحقائقها إلى أوهام يتخيلها إيماءات أو إشارات, مهما كان هدف قائلها, ومهما كان مراده ما دامت المعاني التي ساقها لا تمت إلى النص بصلة أصيلة, أو أدلة قوية صريحة.

الإنسان بين نشأتي الجذب والسلوك:

وظهر تفسيره الصوفي المليء باصطلاحات ورموز وإشارات الصوفية في تفسيره لقوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} ٢. وقد ذكر في سبب نزولها ما خلاصته أن عليا -رضي الله عنه- حلف أن لا ينام بالليل، وأن بلالا -رضي الله عنه- حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا, وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا. فلما علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك "صعد المنبر, فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات، إني أنام الليل وأنكح وأفطر بالنهار, فمن رغب عن سنتي فليس مني" فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك, فأنزل الله آيات الحلف الآتية"٣.


١ تفسير المنار: ج١ ص٢٦٨-٢٧٠.
٢ سورة المائدة: الآية ٨٨.
٣ بيان السعادة: محمد حيدر ج١ ص٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>