للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا خلاف مدلولها"١.

وهذا النوع من التفسير هو الذي سلكه الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسيره, فقال في تفسير الآيات السابقة في قصة آدم عليه السلام: "وتقرير التمثيل في القصة على هذا المذهب هكذا أن إخبار الله الملائكة بجعل الإنسان خليفة في الأرض هو عبارة عن تهيئة الأرض وقوى هذا العالم وأرواحه التي بها قوامه ونظامه لوجود نوع من المخلوقات يتصرف فيها, فيكون به كمال الوجود في هذه الأرض, وسؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الأرض؛ لأنه يعمل باختياره ويعطي استعدادا في العلم والعمل لا حد لهما هو تصوير لما فيه استعداد الإنسان لذلك, وتمهيد لبيان أنه لا ينافي خلافته في الأرض, وتعليم آدم الأسماء كلها بيان لاستعداد الإنسان لعلم كل شيء في هذه الأرض وانتفاعه به في استعمارها, وعرض الأسماء على الملائكة وسؤالهم عنها وتنصلهم في الجواب، تصوير لكون الشعور الذي يصاحب كل روح من الأرواح المدبرة للعوالم محدودا لا يتعدى وظيفته, وسجود الملائكة لآدم عبارة عن تسخير هذه الأرواح والقوى له ينتفع بها في ترقية الكون بمعرفة سنن الله تعالى في ذلك, وإباء إبليس واستكباره عن السجود تمثيل لعجز الإنسان عن إخضاع روح الشر وإبطال داعية خواطر السوء التي هي مثار التنازع والتخاصم والتعدي والإفساد في الأرض, ولولا ذلك لجاء على الإنسان زمن يكون فيه أفراده كالملائكة بل أعظم, أو يخرجون عن كونهم من هذا النوع البشري"٢.

وهو أيضا نفس التأويل الذي أوّل به محمد عبده المراد بالملائكة بقوله: "يشعر كل من فكر في نفسه ووازن بين خواطره عندما يهم بأمر فيه وجه للحق أو للخير، ووجه للباطل أو للشر بأن في نفسه تنازعا كأن الأمر قد عرض فيها على مجلس شورى, فهذا يورد وذاك يدفع, وأحد يقول: افعل وآخر يقول: لا تفعل حتى ينتصر أحد الطرفين ويترجح أحد الخاطرين فهذا الشيء


١ المرجع السابق: ج١ ص٤٢.
٢ تفسير المنار: ج١ ص٢٨١ و٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>