للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالَم؛ حتى لا يبقى شرك، ويكون التوحيد خالصًا لله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} ، وفي الصحيحين: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل" ١، ومقتضى ذلك: قتال مَن امتنع عن الدخول في الإسلام، أما ترك قتال مَن يؤدي الجزية؛ فلتخصيص أهل الكتاب من العموم في الآية والحديث؛ حيث إن المراد التعبير عن إعلاء كلمة الله، وإذعان المخالفين، والغرض من دفع أو ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام، فالمعنى المقصود: الأمر بالقتال حتى يُسلموا، أو يلتزموا ما يؤدي بهم إلى الإسلام؛ وبهذا يتبين أن القتال بأي دافع آخر -كالوطنية والقومية- ليس قتالًا في سبيل الله"٢.

وأكد الشيخ مناع -وفقه الله- هذا المفهوم عند حديثه عن حكمة التشريع في هذه الآية؛ حيث رَدَّ على طائفة من المسلمين بقوله: "وهذه الآية ترد على هؤلاء الذين يتملقون خصوم الإسلام، بتحريف الكلم عن مواضعه في رد دعوى انتصار الإسلام بالسيف؛ حيث يقولون بحرية الأديان، مستدلين بما جاء في صدر الإسلام؛ مثل قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} [البقرة: ٢٥٦] وتظهر حكمة مشروعية القتال في الإسلام إذا عرفنا أنه ضرورة اجتماعية لإقامة الحق وإعلاء الدين، وإلا لتغلب أهل الشر والفساد {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: ٤٠] وما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفك الدماء، وما كان


١ صحيح البخاري: كتاب الإيمان ج١ ص١١، ١٢، صحيح مسلم: كتاب الإيمان ج١ ص٥٢.
٢ تفسير آيات الأحكام: مناع القطان ج١ ص٦٦، قلت: رَدَّ أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- الجزية على أهل بعض بلاد الروم؛ لما عجز عن الدفاع عنهم، وقوله: "ما كان لنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم" يدل على أن أخذها مقابل حمايتهم، ونشر الأمن في بلادهم، وما يلزم ذلك من مؤنة، فلا يصح القول بأن أخذها لاضطرارهم إلى الإسلام، وإلا لكان هناك ما هو أنجع من وسائل الاضطرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>