وإنما يعني تكرر التنبيه على تحريم المتعة عدد هذه المرات؛ ولكن الرجل يحسب أنه وهو يسوق عبارة ابن رشد قد عثر على حجة له؛ فإذا هي عليه، ولا أظنه يخفى عليه هذا؛ ولكنه ما ذكرت؟!
أما ما ذكره من أن روايات النسخ ليست بحجة؛ لأنها من أخبار الآحاد، فإنا نقول له: أوتظن أنت إن إباحة المتعة ثبت بالتواتر حتى تطلب ناسخًا متواترًا؟! إن زعمت أن الآية تنص على ذلك فلا يسلم لك عاقل؛ إذ الخلاف في المراد بها مشهور، وأنت نفسك قلت في تفسيرك: إن النزاع في المراد بالآية عقيم لا جدوى منه، وقلت: إن المفروض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بزواج المتعة باتفاق المسلمين.
إذًا، فليست الآية دليلًا قاطعًا لكم ولا لنا؛ وإنما مرجعنا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولننظر بعد هذا في أحاديثه عليه الصلاة والسلام.
قال أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي:"كل ما نقل إباحة المتعة نقل تحريمها أيضًا، وحصلت رواية التحريم عن غير من نقل الإباحة زيادة عليها، فإن كانت إباحتها بنقل من نقل من حيث الإجماع فتحريمها أيضًا من حيث الإجماع؛ لأن ما ثبت به الإباحة ثبت به التحريم"١.
ودونك أحاديثه الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم اقرأها بتمامها وسترى ما نقول، أما إن أغلقت عينًا وفتحت عينًا؛ فإنك لن ترى الحقيقة كاملة إن كانت الحقيقة ضالتك.
وسأرشدك إلى النص الذي نقلته أنت عن ابن رشد، وقرأت فيه كم مرة حرمت المتعة وجاءت النصوص لتحريمها.
أما ما ذكرت من أنه أبعد من بعيد أن يقول عمر رضي الله عنه: متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما؛ لأنه رد على الله ورسوله، فقد كنت أتمنى لك الثبات على حُسْن الظن بصحابة رسول الله صلى الله عليه
١ رسالة تحريم نكاح المتعة: لأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي ص١٢٣.