للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم، وأنك لم تستثنِ بقولك: "ولكن المسلمين اتفقوا على أن عمر قال ذلك، وما رأيت أحدًا منهم نفا نسبته إليه"، كنت أتمنى أن قومت ميزان فَهْمِك، وبحثت عن الفهم الصحيح الذي يناسب حُسْنَ الظن في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت تملكه، وأن تشك في فَهْمِك ولا تشك في عقيدة هذا الصحابي، وتسأل أهل الذكر إن كنت لا تعلم.

فإن سألت أجابوك: إن هذا غلط قبيح؛ لأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع علمه وزهده لا يجوز أن يقول ما أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحرمه وأعاقب عليه، وقد ثبت عنه في أخبار كثيرة أنه يقفو فيها أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلب البينة على ما يُدَّعَى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعاقب مَن خالف شيئًا من سنته، ويأمر بالمواظبة عليها والأخذ بها، والمنع من تعديها ومجاوزتها، ولو رام تحريم ما أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقره الصحابة عليه ولم يقبلوه منه، ولا اعترضوا عليه فيه كما اعترضوا فيما هو أيسر من ذلك وأخف؛ فبطل الدليل؛ وإنما أراد عمر -رضي الله عنه- بذلك أنها كانت مباحة في أول الإسلام؛ فنُسخت الإباحة، وحُرمت من جهة النبي صلى الله عليه وسلم.

فمعنى قوله: "إن مَن استحلها وفعلها بعدما حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخها عاقبته على ذلك"، وهذا واضح لا لبس فيه؛ فإنه قد ثبت أن رجلًا فعل ذلك ولم يعلم بالنسخ؛ فلذلك زجر عمر عنها لما يكون له من النظر في أمور الدين١.

ولقالوا لك أيضًا: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نهى عنها على المنبر وتوعد عليها وغلظ أمرها، وذلك بحضرة المهاجرين والأنصاري، فلم يعارضه أحد منهم ولا رد عليه قوله في ذلك، ولا يجوز لمثلهم المداهنة في الدين، ولا السكوت على استماع الخطأ، لا سيما فيما هو راجع إلى الشريعة وثابت


١ رسالة تحريم نكاح المتعة: أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي ص١٠٧، ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>