للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} قَصْرُ التحريم على المشركات والمشركين من الوثنيين دون أهل الكتاب.

ومن هنا يظهر فساد القول بأن الآية ناسخة لآية المائدة؛ وهي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ١ الآية.

أو أن الآية؛ أعني قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} ، وآية الممتحنة؛ أعني قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ٢، ناسختان لآية المائدة، وكذا القول بأن آية المائدة ناسخة لآيتي البقرة والممتحنة.

وجه الفساد: أن هذه الآية -أعني: آية البقرة- بظاهرها لا تشمل أهل الكتاب، وآية المائدة لا تشمل إلا الكتابية؛ فلا نسبة بين الآيتين بالتنافي حتى تكون آية البقرة ناسخة لآية المائدة أو منسوخة بها، وكذا آية الممتحنة، وإن أخذ فيها عنوان الكوافر، وهو أعم من المشركات ويشمل أهل الكتاب، فإن الظاهر أن إطلاق الكافر يشمل الكتابي بحسب التسمية؛ بحيث يوجب صدقة عليه انتفاء صدق المؤمن عليه، كما يشهد به قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِين} ٣، إلا أن ظاهر الآية -كما سيأتي إن شاء الله العزيز- أن مَن آمن من الرجال وتحته زوجة كافرة يحرم عليه الإمساك بعصمتها؛ أي: إبقاؤها على الزوجية السابقة، إلا أن تؤمن فتمسك بعصمتها، فلا دلالة لها على النكاح الابتدائي للكتابية.

ولو سلم دلالة الآيتين -أعني: آية البقرة، وآية الممتحنة- على تحريم نكاح الكتابية ابتدائيًّا لم تكونا بحسب السياق ناسختين لآية المائدة؛ وذلك لأن آية المائدة


١ سورة المائدة: من الآية ٥.
٢ سورة الممتحنة: من الآية ١٠.
٣ سورة البقرة: من الآية ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>