فقال رحمه الله تعالى:"ثم إننا نتصفح كتابه "جواهر القرآن" الذي ألفه بعد الأحياء كما يظهر لنا من مقدمته؛ فنجده يزيد هذا الذي قرره في الإحياء بيانًا وتفصيلًا؛ فيعقد الفصل الرابع منه لكيفية انشعاب العلوم الدينية كلها، وما يتصل بها من القرآن عن تقسيمات وتفصيلات تولاها لا نطيل بذكرها، ويكفي أن نقول: إنه قسم علوم القرآن إلى قسمين:
أولًا: علم الصدف والقشر، وجعل من مشتملاته: علم اللغة، وعلم النحو، وعلم القراءات، وعلم مخارج الحروف، وعلم التفسير الظاهر.
والثاني: علم اللباب، وجعل من مشتملاته: علم قصص الأولين، وعلم الكلام، وعلم الفقه، وعلم أصول الفقه، والعلم بالله واليوم الآخر، والعلم بالصراط المستقيم وطريق السلوك.
ثم يعقد الفصل الخامس منه لكيفية انشعاب سائر العلوم من القرآن؛ فيذكر علم الطب والنجوم وهيئة العالَم وهيئة بدن الحيوان وتشريح أعضائه وعلم السحر وعلم الطلسمات وغير ذلك.
ثم يقول: "ووراء ما عددته علوم أخرى يعلم تراجمها ولا يخلو العالَم عمن يعرفها، ولا حاجة إلى ذكرها؛ بل أقول: ظهر لنا بالبصيرة الواضحية التي لا يتمارى فيها أن في الإمكان والقوة أصنافًا من العلوم بعد لم تخرج من الوجود، وإن كان في قوة الآدمي الوصول إليها، وعلوم كانت قد خرجت إلى الوجود واندرست الآن؛ فلن يوجد في هذه الأمصار على بسيط الأرض مَن يعرفها، وعلوم أخرى ليس في قوة البشر أصلًا إدراكها والإحاطة بها، ويحظى بها بعض الملائكة المقربين، فإن الإمكان في حق الآدمي محدود، والإمكان في حق الملَك محدود إلى غاية في الكمال، بالإضافة كما أنه في حق البهيمة محدود إلى غاية في النقصان١؛ وإنما الله سبحانه هو الذي لا يتناهى العلم في حقه".
ثم يقول بعد ذلك: "ثم هذه العلوم -ما عددناها وما لم نعدها- ليست
١ فيما نقله الشيخ الذهبي -رحمه الله تعالى- هنا سقط "سبق نظر" أصلحتُه من مرجعه.