للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوائلها خارجة عن القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له، وأن البحر لو كان مدادًا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد، فمن أفعال الله تعالى -وهو بحر الأفعال١- مثلًا الشفاء والمرض؛ كما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} ٢، وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا مَن عرف الطب بكماله؛ إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته ومعرفة الشفاء وأسبابه.

ومن أفعاله تقدير معرفة الشمس والقمر ومنازلهما بحسبان، وقد قال الله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان} ٣، وقال: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} ٤، وقال: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} ٥، وقال: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} ٦، وقال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ٧.

ولا يعرف حقيقة سير الشمس والقمر بحسبان وخسوفهما، وولوج الليل في النهار، وكيفية تكور أحدهما على الآخر، إلا مَن عرف هيئات تركيب السماوات والأرض، وهو علم برأسه، ولا يعرف كمال معنى قوله: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} ٨ إلا مَن عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرًا وباطنًا، وعددها وأنواعها وحكمتها ومنافعها، وقد أشار في القرآن في مواضع إليها، وهي من علوم الأولين والآخرين، وفي القرآن مجامع علم الأولين والآخرين.

وكذلك لا يعرف كمال


١ إن كان الضمير "هو" يرجع إلى لفظ الجلالة فإن "بحر الأفعال" ليست من أسمائه، ولا من صفاته عند السلف.
٢ سورة الشعراء: من الآية ٨٠.
٣ سورة الرحمن: من الآية ٥.
٤ سورة يونس: من الآية ٥.
٥ سورة القيامة: الآيتين ٨، ٩.
٦ سورة الحج: من الآية ٦١.
٧ سورة يس: من الآية ٣٨.
٨ سورة الانفطار: الآيات ٦، ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>