للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى قوله: {سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} ١ ما لم يعلم التسوية والنفخ والروح، ووراءها علوم غاضمة يغفل عن طلبها أكثر الخَلْق، وربما لا يفهمونها إن سمعوها من العالِم بها، ولو ذهبت أفصل ما تدل عليه آيات القرآن من تفاصيل الأفعال لطال، ولا تمكن الإشارة إلا إلى مجامعها ... فتفكر في القرآن، والتمس غرائبه؛ لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين وجملة أوائله"٢.

هذه بعض نصوص الإمام الغزالي، وإذا ما تأمل متأمل فيها وجد في نصوصه نحو قوله: "وفي القرآن إشارة إلى مجامعها"، "ففي القرآن إليه رموز وعلامات ودلالات عليه"، "ثم هذه العلوم ما عددناها وما لم نعدها ليست أوائلها خارجة من القرآن وأخيرًا قوله: "وفي القرآن مجامع علم الأولين والآخرين".

وللمتأمل أن يسأل عن موقف الغزالي؛ إذ إن هذه النصوص الدالة على أن في القرآن رموز ... وعلامات ... ودلالات وأوائل ... ومجامع العلوم لا تدل دلالة كاملة على موقف صاحبها، وإن كانت صريحة في تأييد التفسير العلمي، إلا أنها تقصر عن تحديد مدى هذا التأييد، ولا يهمنا الأمر بقدر ما يهمنا أن هذه النصوص للإمام الغزالي -وهي من أقدم النصوص التي بين أيدينا من هذا النوع- تدل على أن قائلها قد وضع الأسس النظرية للتفسير العلمي، وبعبارة أخرى أصرح وأوضح: إن الغزالي روَّج للتفسير العلمي، ومهد السبيل لمن أراد سلوكه وإن كان هو لم يسكله؛ لكن جاء مِن بعده وقريب منه مَن التزم هذا النوع التزامًا بلغت درجته فيه أن قيل عن تفسيره فيه كل شيء إلا التفسير، ذلكم هو الفخر الرازي.

رأي الفخر الرازي "ت ٦٠٦هـ":

والرازي نفسه يحس أنه مكثر من هذا النوع من التفسير؛ فيفترض اعتراضًا ويرد عليه؛ فيقول في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ


١ سورة الحجر: من الآية ٢٩.
٢ جواهر القرآن: لأبي حامد الغزالي ص٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>