للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ١ الآية: "ربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال: إنك أكثرت في تفسير كتاب الله تعالى من علم الهيئة والنجوم وذلك ع، لى خلاف المعتاد؛ فيقال لهذا المسكين: إنك لو تأملت في كتاب الله عز وجل حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته، وتقريره من وجوه:

الأول: أن الله تعالى ملأ كتابه من الاستدلال على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السماوات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وكيفية أحوال الضياء والظلام، وأحوال الشمس والقمر والنجوم، وذكر هذه الأمور في أكثر السور وكررها وأعادها مرة بعد أخرى، فلو لم يكن البحث عنها والتأمل في أحوالها جائزًا لما ملأ الله كتابه منها.

والثاني: أن تعالى قال: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} ٢، فهو تعالى حث على التأمل في أنه كيف بناها، ولا معنى لعلم الهيئة إلا التأمل في أنه كيف بناها، وكيف خلق كل واحد منها.

والثالث: أنه تعالى قال: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ٣، فبيَّن أن عجائب الخلقة وبدائع الفطرة في أجرام السماوات أكثر وأعظم وأكمل مما في أبدان الناس.

الرابع: أنه تعالى مدح المتفكرين في خلق السماوات والأرض، فقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} ٤، ولو كان ذلك ممنوعًا منه لما فعل.

الخامس: أن مَن صنف كتابًا شريفًا مشتملًا على دقائق العلوم العقلية والنقلية؛ بحيث لا يساويه كتاب في تلك الدقائق، فالمعتقدون في شرفه وفضيلته


١ من سورة الأعراف: من الآية ٥٤.
٢ سورة ق: الآية ٦.
٣ سورة غافر: الآية ٥٧.
٤ سورة آل عمران: الآية ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>