للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الجنة لا ينقطع نعيمهم، والمعاقبون في النار لا ينقطع عذابهم، فبينا هو في علمه يبحث في الألف المنقلبة إذا هو يتكلم في الجنة والنار، ومَن هذا سبيله في العلم فهو من التخليط والتخبيط في أقصى الدرجة.

وكان استأذنا العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي -قدس الله تربته- يقول ما معناه: متى رأيت الرجل ينتقبل من فن إلى فن في البحث أو التصنيف؛ فاعلم أن ذلك إما لقصور علمه بذلك الفن، أو لتخليط ذهنه وعدم إدراكه؛ حيث يظن أن المتغايرات متماثلات، وإنما أمعنت الكلام في هذا الفصل لينتفع به مَن يقف عليه، ولئلا يعتقد أنا لم نطلع على ما أودعه الناس في كتبهم في التفسير؛ بل إنما تركنا ذلك عمدًا، واقتصرنا على ما يليق بعلم التفسير، وأسأل الله التوفيق والصواب"١.

وذلكم رأيه لا أظنه بحاجة إلى بيان، يرفض هذا اللون ويرفض القول به، لا عجزًا عنه؛ وإنما عمدًا وقصدًا لعدم الخروج عن حدود التفسير المقبول عنده.

وحتى لا نبهت القوم حقهم، ونحن نريد هنا الحديث عن موقف العلماء المعاصرين فيعتقد معتقد أن لا فرق بين المؤيدين القدامى والمعاصرين، فعلينا أن نعلن هنا حقيقة في حق العلماء السابقين الذين أجازوا مبدأ تفسير القرآن بالعلوم؛ تلكم هي أننا لا نكاد نصادف في آثارهم العلمية محاولات تطبيقية تلح على الربط بين النظرية العلمية والحقيقة القرآنية كما نجد في آثار علمائنا المعاصرين، ذلك أن شغلهم الشاغل في ذلك الوقت كان الاقتباس مما نقل إليهم من التراث اليوناني والانتفاع بمقولاته الفلسفية والمنطقية في تأكيد الحقيقة الدينية لتستقيم لهم قضية التوفيق بين العقل والنقل٢.

أما في العصر الحديث، فإن الذين يؤيدون هذا الاتجاه العلمي في التفسير يزعمون أن القرآن يشير إلى مستحدثات الاختراع، وما يحقق بعض غوامض العلوم الطبيعية، ولعل متحققًا بهذه العلوم الحديثة لو تدبر القرآن وأحكم النظر


١ البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي ج١ ص٣٤١.
٢ الفكر الديني في مواجهة العصر: عفت محمد الشرقاوي ص٤٢٢، ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>