للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظروا في القرآن على هذا الأساس؛ فأفسد ذلك عليهم أَمْرَ علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صورمن التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله، فإذا مرت بهم آية فيها ذِكْر للمطر، أو وصف للسحاب، أو حديث عن الرعد أو البرق؛ تهللوا واستبشروا، وقالوا: هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين، ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب، وكيف ينشأ، وكيف تسوقه الرياح".

ولم يزل الشيخ شلتوت يذكر بعض الأمثلة الخاطئة في التفسير العلمي، ثم عقب عليها ببيان جوانب الخطأ في هذا الاتجاه بقوله:

"هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك؛ لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.

وهي خاطئة من غير شك؛ لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلًا متكلفًا، يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.

وهي خاطئة؛ لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصح غدًا من الخرافات.

فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة؛ لعرضناه للتقلب معها، وتحمل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفًا حرجًا للدفاع عنه.

فلندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخَلْق وظواهر الطبيعة؛ إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر؛ ليزداد الناس إيمانًا مع إيمانهم.

وحسبنا أن القرآن لم يصادم -ولن يصادم- حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول"١.


١ تفسير القرآن الكريم: محمود شلتوت ص١١، ١٣، ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>