للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام لمقتضى الحال، فهل كان القرآن على هذا النحو المتوسع من التفسير العلمي كلامًا يوجه إلى مَن خُوطب به من الناس في ذلك العهد، مرادًا به تلك المعاني المذكورة، مع أنها معانٍ من العلم لم تعرفها الدنيا إلا بعدما جازت آمادًا فسيحة، وجاهدت جهادًا طويلًا، ارتقى به عقلها وعلمها!!! وهب هذه المعاني العلمية المدعاة كانت هي المعاني المرادة بالقرآن، فهل فهمها أهل العربية منه إذا ذاك وأدركوها؟!

وإذا كانوا قد فهموها فما لنهضتهم العلمية في علوم الحياة المختلفة لم تبدأ بظهور القرآن، ولم تقم على هذه الآيات الشارحة لمختلف نظريات العلوم المفهمة لدقائقها!! وإن كانت لم تفهم منها، ولم يدركها أصحاب اللغة الخُلَّص من عبارتها كما هو الواقع فعلًا فكيف تكون معاني القرآن المرادة؟ وكيف تكون تلك الألفاظ مفهمة لها؟ وهل هذه هي المطابقة لمقتضى الحال؟!

٣- وهناك الناحية الدينية أو الاعتقادية؛ وهي التي تبين مهمة كتاب الدين، وهل هو كتاب يتحدث إلى عقول الناس وقواهم العالمة عن مشكلات الكون وحقائق الوجوه العلمية؟ وكيف يساير ذلك حياتهم ويكون أصلًا ثابتًا لها تختم به الرسالات السماوية كما هو الشأن في القرآن، مع أن هؤلاء المتدينين لا يقفون من معرفة هذه الحقائق عند غاية محدودة، ولا ينتهون منها عند مدى ما! فكيف تؤخذ جوامع الطب والفلك والهندسة والكيمياء من القرآن على نحو ما سمعت آنفًا، وهي جوامع لا يضبطها اليوم أحد إلا تغير ضطبه لها بعد يسير من الزمن أو كثير، وما ضبطه منها القدماء قد تغير عليهم فيما مضى، ثم تغير تغيرًا عظيمًا فيما تلا!!

والحق البيِّن أن كتاب الدين لا يُعنَى بهذا من حياة الناس، ولا يتولاه بالبيان، ولا يكفيهم مؤنته حتى يلتمسوه عنده، ويعدوه مصدرًا فيه.

وأما ما اتجهت إليه النوايا الطيبة من جعل الارتباط بين كتاب الدين والحقائق العلمية المختلفة ناحية من نواحي بيان صدقه أو

إعجازه أو صلاحيته للبقاء ... إلخ، فربما كان ضَرُّه أكثر من نفعه، على أنه إن كان لَا بُدَّ لأصحاب

<<  <  ج: ص:  >  >>