للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السحب وتراكمه، ونزول المطر، وجريان الشمس والقمر، وتحدث عن الكواكب والنجوم والشهب وأطوار الجنين والنبات والبحار، وغير ذلك كثير، ومع ذلك كله لم يسقط العلم كلمة من كلماته، ولم يصادم جزئية من جزئياته، فإذا كان الأمر كذلك فإن هذا بحد ذاته يعتبر إعجازًا علميًّا للقرآن.

هذه النتيجة المتولدة عن أن القرآن لم ولن يصادم حقيقة علمية، لم أرَ بين علماء المسلمين من أنكرها، لا في القديم ولا في الحديث، وكل ما يثار من ضجة وما يسطر في الصحف ما هو إلا عن التفسير العلمي لا عن الإعجاز العلمي.

فالإعجاز العلمي قاعدة صُلْبة يقف عليها المسلمون جميعًا بكل ثقة وكل أمن؛ لكن طائفة منهم قالت: ما دام الإعجاز العلمي متحققًا في القرآن وثابتًا فما علينا أن نطبقه بين آياته واحدة واحدة، وبين الحقائق العلمية واحدة واحدة.

وامتنعت طائفة أخرى عن تطبيقه لا خوفًا عليه من النقض، وليس خشية على حقائقه؛ ولكن لعدم الثقة في مداركنا نحن البشر؛ فقد نحسب نظرية علمية حقيقة علمية، فما تلبث قليلًا إلا وتتقوض بعد رسوخ وتتزعزع بعد ثبوت ولات حين مناص نقع في الحرج الشديد؛ فيكذب القرآن وهو الصادق فتكون البلية، فالعيب والنقص في مداركنا وليس في حقائق القرآن.

إذًا فالمسلمون جميعًا يقولون بالإعجاز العلمي للقرآن؛ ولكنهم يختلفون في التفسير العلمي. هذا ما أحببت الإشارة إليه وبيانه، وكنت أظن هذا من الوضوح بما لا يخفى حتى رأيت أحد الباحثين يعقد مبحثًا في رسالته، ويقسم العلماء إلى قسمين: الأول القائلين بالإعجاز العلمي للقرآن، والثاني المانعين من القول بالإعجاز العلمي، وساق نصوصًا لهؤلاء يرفضون بها التفسير العلمي، وحَسِبَهم ينكرون بها الإعجاز العلمي.

وإذا ما اتضح هذا، وحق لي أن أقول بعده الرأي الذي أميل إليه في التفسير العلمي؛ فإني أقول رأيًا ما فطرته ولا ابتدعته، وقاله قبلي كثيرون.

ذلكم أن الحق فيما أرى وسط بين مذهبين:

<<  <  ج: ص:  >  >>