للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نماذج للتفسير العلمي التجريبي في العصر الحديث:

وكما أنه ليس بمقدورنا أن نقدم دراسة لكل هذه المؤلفات؛ فإنه ليس بمقدورنا أن نقدم أمثلة لكل الآيات التي تناولوها بالتفسير العلمي؛ فلنذكر بعضًا منها، ولنقدم قبله تفسير السلف لكل آية حتى نعرف موقع تفسيرهم منه؛ فمن ذلك:

أولًا: قوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}

ذهب السلف في المراد بالماء في هذه الآية إلى قولين؛ أولهما: أن المراد به الماء المعروف، وثانيهما: أن المراد به النطفة؛ وعلى الأول أن الماء سبب حياة كل شيء حي، وعلى الثاني أن أصل كل شيء هو النطقة.

قال الشوكاني -رحمه الله تعالى- في تفسيره: " {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أي: أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء فيشمل الحيوان والنبات؛ والمعنى: أن الماء سبب حياة كل شيء، وقيل: المراد بالماء هنا النطفة، وبه قال أكثر المفسرين"١، وقال ابن كثير: " {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أي: أصل كل الأحياء"٢.

أما التفسير العلمي الذي يقدمه الأستاذ أحمد محمود سليمان فليس بهذا ولا بذاك؛ فهو يفسره بأن الماء هو أصل الحياة؛ بمعنى أن المخلوقات كلها نشأت أول ما نشأت في الماء، وخلقها الله أول ما خلقها في الماء، فأول ما ظهر من الحيوانات ذات الخلية الواحدة لا تراها العين المجردة، ثم تبع ذلك حيوانات ذات خلايا عدة، وهكذا تطورت الحياة في الماء خلال ملايين الأعوام، ثم بدأت بعض الحيوانات تخرج من البحر إلى البر، ثم نشأت الزواحف التي اتخذت البر لها مسكنًا، ثم الطيور ثم ذوات الأربع، وذكر أن أول مَن قال بهذه النظرية هو التوراة، أما القرآن فلم يقتصر على هذا "!! " بل أبان أن الماء هو أصل جميع الكائنات من حيوان ونبات؛ مما يدل على هيمنة القرآن العلمية على ما سبقه مِن


١ فتح القدير: الإمام الشوكاني ج٣ ص٤٠٥.
٢ تفسير ابن كثير: ج٣ ص١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>