للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجوم مضطربة، وكواكب خنس، وغبار وغازات، والشمس جزء منها تمثلها، وما علينا لنرى طبيعتها الجهنمية إلا أن نضع عيننا على عدسة نظارة فلكية خاصة نوجهها نحو الشمس"١.

وبعد، فلن أطيل في الرد على هذا التفسير إلا بما يستلزمه المقام؛ فأقول: إن جهنم من الأمور الغيبية التي لا يحق لنا أن نزيد في بيانها غير ما ورد به الشرع، ولم يرد في الشرع بيان لمكان جهنم الان وإمكان رؤيتها لنا في الدنيا، وقد التزم علماءالسلف -رحمهم الله تعالى- هذا الأمر؛ فلم يشر أحدهم إلى شيء من ذلك، وهم الأعلم باللغة ومدلولاتها، والأعلم بالشرع ومفاهيمه، ومع هذا فلم ينسب لأحدهم أنه أشار إلى الشمس أو غيرها زاعمًا أنها جهنم.

أما انطباق أوصاف جهنم على بعض الموجودات الكونية فلا يعني هذا أن تلك الكتلة هي جهنم، ولو صح هذا الزعم وصح هذا المقياس لجاءنا مَن يزعم أن الأرض التي نعيش عليها هي الجنة في الآخرة، ويشير إلى مناطق لا تخلو منها الأرض فيها الهواء العليل والظل الظليل والفواكه والثمار، ولن يعدم من النصوص ما يستدل بها كاستدلال ذاك فيقول مثلًا: روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة" ٢، وسيجد في الصحيحين: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" ٣.

لكن هذا وذاك لا يكفيان ولا يدلان على أن الأرض هي الجنة، مع النص المباشر على هذه الأجزاء من الأرض، بخلاف الشمس فلم يكن هناك أي نص مباشر للشمس يجعل بعض أجزائها من النار، فإذا كان الأمر كذلك في الأرض فأنَّى لرجل أن يزعم أن الشمس جزء من جهنم.


١ براهين: محمود القاسم ص١٥٧، وانظر الصفحات ١٣٢-١٥٦.
٢ رواه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة ج٤ ص٢١٨٣.
٣ رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر ج٢ ص٥٥٧، ورواه مسلم في كتاب الحج، باب ٩٢ ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ج٢ ص١٠١٠، وزاد في إحدى رواياته: "ومنبري على حوضي".

<<  <  ج: ص:  >  >>