للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلهيات والنبوات والبعث، ناسب أن يذكر بعدها ما يتم ما أجمل فيها من الأحكام، ولا سيما أحكام القتال والمنافقين، وكان قد فصَّل بعض التفصيل في سورة النساء؛ فكانت سورتا الأنفال والتوبة هما المفصلتين لذلك، وبهما يتم ثلث القرآن"١.

وقال ايضًا بهذا القول من رجال المدرسة العقلية الاجتماعية محمود شلتوت -رحمه الله تعالى- فقال: "إن جميع ما في القرآن، وإن اختلفت أماكنه، وتعددت سوره وأحكامه؛ فهو وَحْدَة عامة، لا يصح تفريقه في العمل، ولا الأخذ ببعضه دون البعض"٢.

ولتأكيد الوَحْدَة الموضوعية بين سور القرآن الكريم نرى رجال المدرسة العقلية الاجتماعية يوازنون بين التفاسير؛ فيختارون منها ما يرونه ملتئمًا مع السياق؛ ولهذا فلربما استعرضوا آراء المفسرين السابقين في تفسير آية أو كلمة قرآنية ورفضوها لمخالفتها لهذا الأساس؛ فالإمام محمد عبده -رحمه الله تعالى- مثلًا عند تفسيره لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} ٣ يستعرض آراء المفسرين، ثم يقول بعد ذلك: "هذا تقرير ما جرى عليه المفسرون في الآيات، وإذا وازنا بين سياق آية {مَا نَنْسَخْ} وآية {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} ٤ نجد أن الأولى ختمت بقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} ٣، والثانية بقوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} ٤، ونحن نعلم شدة العناية في أسلوب القرآن بمراعاة هذه المناسبات، فذكر العلم والتنزيل ودعوى الافتراء في الآية الثانية يقتضي أن يُراد بالآيات فيها آيات الأحكام، وأما ذكر القدرة والتقرير بها في الآية الأولى فلا يناسب موضوع الأحكام ونسخها؛ وإنما يناسب هذا ذكر العلم


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٧ ص٢٨٨، ٢٨٩.
٢ الإسلام عقيدة وشريعة: محمود شلتوت ص٤٨٧.
٣ سورة البقرة: الآية ١٠٦.
٤ سورة النحل: من الآية ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>