للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكمة فلو قال: "ألم تعلم أن الله عليم حكيم" لكان لنا أن نقول: إنه أراد نسخ آيات الأحكام لما اقتضته الحكمة من انتهاء الزمن أو الحال التي كانت فيها تلك الأحكام موافقة للمصلحة، وقد تحير العلماء في فَهْم الإنساء على الوجه الذي ذكروه؛ حتى قال بعضهم: إن معنى "ننسها" نتركها على ما هي عليه من غير نسخ، وأنت ترى أن هذا -وإن صح لغة- لا يلتئم مع تفسيرها؛ إذ لا معنى للإتيان بخير منها مع تركها على حالها غير منسوخة.

"قال"١: والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره أن الآية هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم؛ أي: "ما ننسخ من آية" نقيمها دليلًا على نبوة من الأنبياء؛ أي: نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف في الملك نأتي بخير منها في قوة الإقناع وإثبات النبوة أو مثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته وسَعَة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه"٢.

وانطلاقًا من هذا الأساس لدى رجال المدرسة العقلية الاجتماعية، فإنا نرى الأستاذ محمد عبده يرفض تحديد "فجر" بعينه أو "ليال عشر" بعينها من قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} ٣؛ بل هما مطلقان، والعلة في ذلك الوَحْدَة الموضوعية في آيات القرآن الكريم.

قال: "كثر خلاف المفسرين والرواة في معنى كل من الفجر وليال عشر إلى آخر ما أقسم به، وقد يفسر الواحد منهم الفجر بمعنى ثم يأتي في الليالي العشر بما لا يلائمه، وغالب ذلك يجري على خلاف ما عودنا الله في نسق كتابه الكريم، وقد جرت سنة الكتاب بأنه إذا أريد تعيين يوم أو وقت ذكره بعينه؛ كيوم القيامة في {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ٤، وكاليوم الموعود في سورة {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} ٥، وكليلة القدر في سورتها، فإذا أطلق الزمن ولم يقيد كان المراد ما يعمه معنى الاسم، كما سبق في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا


١ أي: الأستاذ الإمام محمد عبده.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٤١٦، ٤١٧.
٣ سورة الفجر: الآيتين ١، ٢.
٤ سورة القيامة: الآية الأولى.
٥ سورة البروج: الآية الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>