للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} ١، فالفجر هنا -على هذا- هو جنس ذلك الوقت المعروف الذي يظهر فيه بياض النهار في جلد الليل الأسود، وينبعث الضياء لمطاردة الظلام، وهو وقت تنفس الصبح، وهو معهود في كل يوم؛ فصح أن يُعرَّف بالألف واللام"٢، وقال نحو هذا في "وليال عشر".

واستنادًا إلى هذا الأساس أيضًا ينفي عن تفسير الآية القرآنية كل ما لا يتفق عنده مع مفهوم الوَحْدَة الموضوعية في القرآن الكريم؛ فتراه ينفي عن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ٣ الآيات، ينفي الأستاذ الإمام عن تفسير هذه الآيات قصة الغرانيق التي يلصقها بعضهم في تفسير الآية، فقال: "ما أقرب هذه الآيات في مغازيها إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ٤، وقد قال بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار} ٥، ثم قال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} ٦ إلخ الآيات.

وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى؛ فالذين في قلوبهم زيغ هم الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، والراسخون في العلم هم الذين أوتوا العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم؛ فيقولون: آمنا به كل من عند ربنا؛ فتخبت له قلوبهم، وإن الله ليهديهم إلى صراط


١ سورة التكوير: الآيتين ١٧، ١٨.
٢ تفسير جزء عم: محمد عبده ص٧٦.
٣ سورة الحج: الآية ٥٢.
٤ سورة آل عمران: الآية ٧.
٥ سورة آل عمران: الآية ١٠.
٦ سورة آل عمران: الآية ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>