للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} ١، بأنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف. ويؤكد هذا الرفض بقوله: "والله لم يقل ذلك، ولا قاله رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا هو مما يُعرف بالرأي، ولم يثبته تاريخ يعتد به، والروايات عن مفسري السلف متعارضة، وفي أسانيدها ما فيها".

ثم أورد التفسير الذي يراه موفقًا للهدف العام للسورة فقال: "وأنت ترى أنه لا دليل في الآية على أن الرزق كان من خوارق العادات، وإسناد المؤمنين الأمر إلى الله في مثل هذا المقام معهود في القديم والحيدث".

ثم قال: "أما ما سيقت القصة لأجله، وهو الذي يجب أن نبحث فيه، ونستخرج العبر من قوادمه وخوافيه، فهو تقرير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ودحض شبه أهل الكتاب الذين احتكروا فضل الله، وجعلوه خاصًّا بشعب إسرائيل، وشبه المشركين الذين كانوا ينكرون نبوته لأنه بشر، وبيان ذلك أن المقصد الأول من مقاصد الوحي هو تقرير عقيدة الألوهية، وأهم مسائلها مسألة الوحدانية، وتقرير عقيدة البعث والجزاء، وعقيدة الوحي والأنبياء، وقد افتتحت السورة بذكر التوحيد وإنزال الكتاب، ثم كانت الآيات من أولها إلى هذه القصة -أوقبيل هذه القصة- في الألوهية والجزاء، وبعد البعث بالتفصيل وإزالة الشبهات والأوهام في ذلك، ثم بيَّن أن الإيمان بالله وادعاء حبة ورجاء النجاة في الآخرة والفوز بالسعادة فيها؛ إنما تكون باتباع رسوله، وقفى على ذلك بهذه القصة التي تزيل شُبَه المشركين وأهل الكتاب في رسالته، وتردها على وجوههم.

رد عليهم بما يعرفونه من أن آدم أبو البشر، وأن الله اصطفاه، ومن اصطفاء نوح، ومن اصطفاء إبراهيم، فإن كان الأمر له في اصطفاء مَن يشاء مِن عباده -وبذلك اصطفى هؤلاء على عالمي زمانهم- فما المانع له من اصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على العالمين كما اصطفى أولئك"٢.

وكما رد الإمام محمد عبده قصة الغرانيق التي يوردها بعض المفسرين في


١ سورة آل عمران: من الآية ٣٧.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٣ ص٢٩٣، ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>