للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسيرهم لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ١، كما رد قصة الغرانيق لالتزامه الوَحْدَة الموضوعية في القرآن الكريم، فإنه أنكرها أيضًا لالتزامه الوَحْدَة الموضوعية في السورة القرآنية، فقال: "والآن أرجع إلى تفسير الآيات على الوجه الذي تحتمله ألفاظها، وتدل عليه عباراتها، والله أعلم".

ثم استعرض هذه الآيات قائلًا: "ذكر الله لنبيه حالًا من أحوال الأنبياء والمرسلين قبله؛ ليبين لهم سنته فيهم وذلك بعد أن قال: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ، وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ٢، إلى آخر الآيات، ثم قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} ٣ إلخ.

فالقصص السابق كان في تكذيب الأمم لأنبيائهم، ثم تبعه الأمر الإلهي بأن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقومه: إنني لم أرسل إليكم إلا لأنذركم بعاقبة ما أنتم عليه، ولأبشر المؤمنين بالنعمي، وأما الذين يسعون في الآيات والأدلة التي أقيمها على الهدى وطرق السعادة؛ ليحولوا عنها الأنظار، ويحجبوها عن الأبصار، ويفسدوا أثرها الذي أُقيمت لأجله، ويعاجزوا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ أي: يسابقونهم ليعجزوهم ويسكتوهم عن القول، وذلك بلعبهم بالألفاظ، وتحويلهم عن مقصد قائلها -كما يقع عادة من أهل الجدل والمماحكة- هؤلاء الضالون المضلون هم أصحاب الجحيم، وأعقب ذلك بما يفيد أن ما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم من المعاجزة في الآيات، قد ابتلي به الأنبياء السابقون، فلم يبعث نبي في أمة إلا كان له خصوم يؤذونه بالتأويل والتحريف، ويضادون أمانيه، ويحولون بينه وبين ما يبتغي بما يقولون في سبيله من العثرات؛ فعلى هذا


١ سورة الحج: من الآية ٥٢.
٢ سورة الحج: الآيات ٤١-٤٤.
٣ سورة الحج: الآيات ٤٩-٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>