للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا انفصام لها؛ فبلغوا إلى ما لا تبلغه أمة قبلهم من بسطتي الدنيا والدين"١.

لذا فهم يصرفون الآيات القرآنية عن ظاهرها إذا صعب عليهم فَهْمُها أو التبست على عقولهم معانيها، وأنكروا كثيرًا من المعجزات أو أولوها بما لا تكون به معجزة خارقة، وردوا بعض الأحاديث الصحيحة، وغير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وخذ مثلًا لذلك تفسير الشيخ عبد القادر المغربي لقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور} ٢؛ حيث قال: "مَن في السماء هو الله تعالى؛ لكن قام البرهان العقلي على أن الإله الأزلي خالق الكل وضابط الكل لا يتصور أن يكونه مستقرًّا في مكان؛ فوجب إذًا صرف الآية عن ظاهرها وحملها على معنى يلتحم مع ما أثبته العقل وقام عليه البرهان، والقرآن يفسر بعضه بعضًا؛ فآية {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} ٣ تنفي أن تكون ذات الله في السماوات وفي الأرض؛ إذ كيف يعقل أن تكون الذات الواحدة في مكانين في آنٍ واحد؟! لا جرم أن يكون المراد بكونه تعالى في السماء وفي الأرض أن مشيئته وحكمه نافذ فيهما، وسلطانه وقهره غالب عليهما"٤.

ومن تفسير الشيخ عبد القادر أيضًا تفسيره لقوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} ٥؛ حيث قال: "هذا هو خبر سيدنا يونس حسبما أخذناه من النصوص الصحيحة، وليس فيه ما يستبعد وقوعه، اللهم إلا التقام الحوت له ومكثه في طبنه حينًا من الزمن حيًّا يُرزق ثم نبذه في ذلك الفضاء، على أنه إن حق لأهل القرون الماضية أن يستبعدوا خبر صاحب الحوت؛ فلا يحق لأبناء عصرنا ذلك الاستبعاد بعد أن رأوا بأعينهم سبح


١ الإسلام دين الهداية والإصلاح: محمد فريد وجدي ص٩٢.
٢ سورة الملك: الآية ١٦.
٣ سورة الأنعام: من الآية ٣.
٤ تفسير جزء تبارك: عبد القادر المغربي ص٩.
٥ سورة القلم: الآية ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>