للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحيوان، وسنة الله تعالى واحدة، فهو يعامل القرون الحاضرة بمثل ما عامل به القرون الخالية"١.

ولا أظن هذا الذي قاله الشيخ رشيد رضا إلا زَلَّة قلم في أمر واضح بيِّن، فليس هذا العقاب هو الوحيد من نوعه في الأمم السابقة؛ عذبت أمة بالطوفان، وعذبت أخرى بالصيحة، وعذبت ثالثة بحجارة من سجيل، وعذب آخرون بالخسف وبالجراد وبالقُمَّل والضفادع وغير ذلك، والعصاة يعلمون بالمشاهَدة أن الله لا يعذب كل عاصٍ بهذا العذاب، فهل يعد هذا مبطلًا لحقيقة هذه العقوبات أو مبررًا لتأويلها -بل تحريفها- عن معانيها لمجرد كونهم لا يرونها سُنة من سنن الله في العصاة؟!

هذا بعض ما أدى بهم إليه تحكيم العقل المجرد عن النص، وهي قضايا آحادية تولدت حتى أصبح بعضها أساسًا مستقلًّا بذاته في منهجهم في التفسير، نذكر من هذه الأسس التي تولدت عن هذا لأصل لديهم إنكار التقليد وذمه، وموقفهم من التفسير بالمأثور، ورد بعض الأحاديث الصحيحة، والتحذير من الإسرائيليات، وتأويل المعجزات والخوارق بما يبطلها، وكان تأويل بعض القصص القرآنية بالتمثيل وعدم وقوعها، وموقفهم من بعض الغيبيات كالملائكة والجن، وبعض علامات الساعة وأماراتها، وموقفهم من السحر، وغير ذلك كثير.

كلها أمور تولدت من هذا الأساس العميق المتأصل في منهجهم؛ بل عمود منهجهم الأول، ونحن هنا -في دراستنا هذه- سنعرض لبعض هذه الأبحاث عرضًا سريعًا غرضنا منه جلاء الصورة وبيان أبعادها وحدودها ليس إلا، وليس من شأننا دراسة هذا الأساس أو هذا المنهج دراسة نقدية موسعة، فلذلك شأن آخر؛ وإنما غرضنا عرض مناهج التفسير في العصر الحديث، وندع لمن شاء أن يدرس كل منهج دراسة نقدية موسعة ففي كل منها مادة وفيرة للدراسة ومعالم بارزة محمودة ومذمومة.


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>