للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أظنه يخفى عليه حكم مرسل الصحابي حتى إن ابن الصلاح لم يعده من أنواع المرسل قائلًا: "ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يُسمى في أصول الفقه "مرسل الصحابي" مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم"١.

وغريب منه أيضًا أن يغمز ابن عباس -رضي الله عنهما- بأنه روى عن غير الصحابة حتى عن كعب الأحبار وأمثاله، فهل يرى الشيخ رشيد بأن ابن عباس -رضي الله عنهما- يروي عمن لا يثق بصدقه وأمانته؟! بل وما دخل روايته عن كعب الأحبار بروايته عن غزوة بدر؟! لا أرى هذا إلا ضعفًا في الحجة.

ومن تفسير الأستاذ محمد رشيد رضا بالرأي المجرد تفسيره للمسخ في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ٢ بقوله: "أي: فكانوا بحسب سُنة الله في طبع الإنسان وأخلاقه كالقردة المستذلة المطرودة من حضرة الناس؛ والمعنى: أن هذا الاعتداء الصريح لحدود هذه الفريضة قد جرأهم على المعاصي والمنكرات بلا خجل ولا حياء؛ حتى صار كرام الناس يحتقرونهم ولا يرونهم أهلًا لمجالستهم ومعاملتهم".

ثم قال: "وذهب الجمهور أيضًا إلى ان معنى {كُونُوا قِرَدَةً} أن صورهم مُسخت فكانوا قردة حقيقيين، والآية ليست نصًّا فيه، ولم يبقَ إلا النقل ولو صح لما كان في الآية عبرة ولا موعظة للعصاة؛ لأنهم يعلمون بالمشاهَدة أن الله لا يمسخ كل عاص فيخرجه عن نوع الإنسان؛ إذ ليس ذلك من سننه في خَلْقه؛ وإنما العبرة الكبرى في العلم بان من سنن الله تعالى في الذين خلوا من قبل أن مَن يفسق عن أمر ربه، ويتنكب الصراط الذي شرعه له؛ ينزل عن مرتبة الإنسان، ويلتحق بعجماوات


١ علوم الحديث: ابن الصلاح ص٥٠، ٥١.
٢ سورة البقرة: الآية ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>