للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه يقول في موضع آخر عن الملائكة: "وإذا ورد أنهم موكلون بالعوالم الجسمانية كالنبات والبحار؛ فأننا نستدل بذلك على أن في الكون عالمًا آخر ألطف من هذا العالم المحسوس، وأن له علاقة بنظامه وأحكامه، والعقل لا يحكم باستحالة هذا؛ بل يحكم بإمكانه لذاته، ويحكم بصدق الوحي الذي أخبر به"١.

وهذا تلميذه الأستاذ محمد رشيد رضا يرى أن الإمداد في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين} ٢، إمداد روحاني لا مادي، وقال: "وما أدري أين يضع بعض العلماء عقولهم عندما يغترون ببعض الظواهر وببعض الروايات الغريبة التي يردها العقل ولا يثبتها ما له قيمة من النقل، فإذا كان تأييد الله للمؤمنين بالتأييدات الروحانية التي تضاعف القوة المعنوية، وتسهيله لهم الأسباب الحسية كإنزال المطر، وما كان له من الفوائد لم يكن كافيًا لنصره إياهم على المشركين بقتل سبعين وأسر سبعين؛ حتى كان ألف -وقيل: الآف- من الملائكة يقاتلونهم معهم، فيفلقون منهم الهام، ويقطعون من أيديهم كل بنان، فأي مزية لأهل بدر فُضلوا بها على سائر المؤمنين ممن غزوا بعدهم وأذلوا المشركين وقتلوا منهم الألوف؟ ".

إلى أن قال: "ألا إن في هذا من شأن تعظيم المشركين، ورفع شأنهم، وتكبير شجاعتهم، وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول وأشجعهم، ما لا يصدر عن عاقل، إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة، لا يصح لها سند، ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس، ذكره الألوسي وغيره بغير سند، وابن عباس لم يحضر غزوة بدر؛ لأنه كان صغيرًا، فروايته عنها حتى في الصحيح مرسلة، وقد روى عن غير الصحابة حتى عن كعب الأحبار وأمثاله"٣.

وغريب من الشيخ محمد رشيد رضا أن يغمز مرويات عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بأنها حتى في الصحيح مرسلة، وهو العارف بالحديث وعلومه


١ المرجع السابق: ج١ ص٢٥٤.
٢ سورة الأنفال: الآية ٩.
٣ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٩ ص٥٦٦، ٥٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>