للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكون ذكرهم لغوًا يتنزه عنه القرآن. ونقول: إن ذِكْرَ المسافرين كذلك، فإن المقيم إذا لم يجد الماء يتيمم بالإجماع، فلولا أن السفر سبب للرخصة كالمرض لم يكن لذكره فائدة؛ ولذلك عللوه بما هو ضعيف متكلف، وما ورد في سبب نزولها من فقد الماء في السفر أو المكث مدة على غير ماء لا ينافي ذلك"١.

وهاك مثلًا رابعًا لاجتهاد الشيخ محمد عبده وتلميذه السيد رشيد رضا؛ وذلك في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} ٢، يرى السيد رشيد أن الربا المحرم هو ما كان أضعافًا مضاعفة، فيقول: "والمراد بالربا فيها ربا الجاهلية المعهود عند المخاطبين عند نزولها، لا مطلق المعنى اللغوي الذي هو الزيادة، فما كل ما يسمى زيادة محرم"٣.

ومن قبله قال شيخه الأستاذ الإمام: "إن الناس تحدث لهم باختلاف الزمان أمور ووقائع لم ينص عليها في هذه الكتب، فهل نوقف سير العالم لأجل كتبهم؟ هذا لا يستطاع؛ وذلك اضطر العوام والحكام إلى ترك الأحكام الشرعية، ولجئوا إلى غيرها.

إن أهل بخارى جوَّزوا الربا لضرورة الوقت عندهم، والمصريون قد ابتلوا بهذا؛ فشدد الفقهاء على أغنياء البلاد فصاروا يرون أن الدين ناقص؛ فاضطر الناس إلى الاستدانة من الأجانب بأرباح فاحشة استنزفت ثرورة البلاد وحولتها للأجانب، والفقهاء هم المسئولون عند الله تعالى عن هذا، وعن كل ما عليه الناس من مخالفة الشريعة؛ لأنه كان يجب عليهم أن يعرفوا حالة العصر والزمان، ويطبقوا عليه الأحكام بصورة يمكن للناس اتباعها "!! " أي: كأحكام الضرورات، لا أنهم يقتصرون على المحافظة على نقوش هذه الكتب ورسومها، ويجعلونها كل شيء، ويتركون لأجلها كل شيء"٤.

هذه إشارات موجزة لبعض مواضع اجتهاداتهم في تفسير آيات الأحكام في القرآن الكريم، يظهر منها المدى الذي وصلوه في دعوتهم إلى الاجتهاد ونبذ التقليد، وجلها بل كل عباراتهم في هذا السبيل تعلن اتخاذهم له أساسًا هامًّا في منهجهم في التفسير.


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٥ ص١٢١.
٢ سورة آل عمران: الآية ١٣٠.
٣ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٤ ص١٢٣.
٤ تاريخ الأستاذ الإمام: محمد رشيد رضا ج١ ص٩٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>