للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما كعب فقد روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي؛ بل إن الجمهور على توثيقه؛ ولذا لا تجد له ذكرًا في كتب الضعفاء والمرتوكين، وقد اتفقت كلمة نقاد الحديث على توثيقه١.

وأما وهب فقد روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الذهبي في ميزانه: كان ثقة صادقًا كثير النقل من كتب الإسرائيليات، قال العجلي: ثقة تابعي كان على قضاء صنعاء، وقد ضعفه الفلاس وحده ووثقه جماعة٢، وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات٣.

إذًا، فلا شك مطلقًا في خطأ رجال المدرسة العقلية الاجتماعية في ذم كعب الأحبار ووهب بن منبه ... ولكن مهلًا لا أقصد بهذا مطلقًا أن كل ما رُوي عنهما صحيح، ولا أقول: إنه ليس فيه كذب ولا افتراء؛ ولكن لا يعني وجود هذا أن ينسب إليهما ويحملا تبعته، فكم حديث موصوع مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نسب ظلمًا وزورًا إلى أبي هريرة أو ابن عباس أو غيرهما، فهل يجرؤ أحد -إلا معتدٍ- على التشكيك فيهما وفي عدالتهما، الأمر هناك في كعب وفي وهب كما هو هنا في أبي هريرة وابن عباس، فقد يكون الكذب من غيرهما، أو أنهما نقلاه على أنه مما في كتبهم، وهما يعتقدان صحته ولم يعلما كذبه؛ لخفاء الثابت والمحرَّف في كتب أهل الكتاب، كما قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "إن بعض الذي يُخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبًا؛ لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار"٤، قلت: ومثل هذا يقال عن وهب.

عودة إلى الموضع في صُلْبه؛ ذلكم موقف رجال المدرسة العقلية الاجتماعية من رواية الإسرائيليات يظهر منه الرفض الشديد والمتطرف لها؛ ولكنهم -وبكل أسف- لم يلتزموا بأنفسهم ما دعوا إليه، وقديمًا قال الشاعر:


١ مقالات الكوثري: محمد زاهد الكوثري ص٣٢، ٣٣.
٢ ميزان الاعتدال: محمد بن أحمد الذهبي ج٤ ص٣٥٢، ٣٥٣.
٣ تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني ج١١ ص١٦٧.
٤ فتح الباري: ابن حجر العسقلاني ج١٣ ص٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>