للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول ما يواجه القارئ للقرآن الكريم مما استأثر الله تعالى بعلمه ما يسمى بـ"فواتح السور"، وقد بيَّن الشيخ محمود شلتوت ما هو خير للناس في فَهْم هذه الفواتح، فقال: "ولعل من الخير للناس أن يوفروا على أنفسهم عناء البحث في معاني هذه الحروف وأسرار ترتيبها واختيارها على هذا النحو، وأن يكفوا عن الخوض فيما لا سبيل إلى علمه ولم يكلفهم الله به، ولم يربط به شيئًا من أحكامه أو تكاليفه"١.

ومن أشهر المبهمات أيضًا والتي توقف عندها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ثم قال لنفسه: "إن هذا لهو التكلف يا عمر"؛ ذلكم هو "أبًّا" من قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ٢، وقد أعرض الأستاذ الإمام محمد عبده عن الخوض في ذلك عند تفسيرها فقال: "فالمطلوب منك في هذه الآيات هو أن تعلم أن الله يمن عليك بنعم أسداها إليك في نفسك وتقويم حياتك، وجعلها متاعًا لك ولأنعامك، فإذا جاء في سردها لفظ لم تفهمه لم يكن من جد المؤمن أن ينقطع لطلب هذا المعنى بعد فَهْم المراد من ذِكْرِه؛ بل الواجب على أهل الجد والعزيمة أن يعتبروا بتعداد النعم، وأن يجعلوا معظم همهم الشكر والعمل، هكذا كان شأن الصحابة -رضي الله عنهم- ثم خلف من بعدهم خلف وقفوا عند الألفاظ، وجعلوها شغلًا شاغلًا، لا يهمهم إلا التشدق بتصريفها وتأويلها وتحميلها ما لا تحتمله، وقد تركوا قلوبهم خالية من الفكر والذكر، وأعضاءهم معطلة عن العمل الصالح والشكر"٣.

وكما توقف عن القول في معنى "أبًّا" توقف عن القول فيما لا علم له به؛ فتوقف عن القول بالحافظين من قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِين} ٤؛ فأعلن إيمانه بذلك إجمالًا، ولم يبحث عمَّا وراء ما ورد في النصوص


١ تفسير القرآن الكريم: محمود شلتوت ص٦١.
٢ سورة عبس: الآية ٣١.
٣ تفسير جزء عم: محمد عبده ص٢١.
٤ سورة الانفطار: الآيتين ١٠، ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>