للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحيحة فقال: "ومن الغيب الذي يجب علينا الإيمان به ما أنبأنا به في كتابه من أن علينا حفظة يكتبون أعمالنا حسنات وسيئات؛ ولكن ليس علينا أن نبحث عن حقيقة هؤلاء، ومن أي شيء خُلقوا، وما هو عملهم في حفظهم وكتابتهم، هل عندهم أوراق وأقلام ومداد كالمعهود عندنا -وهو ما يبعد فَهْمه- أو هناك ألوح تُرسم فيها الأعمال؟ وهل الحروف والصور التي تُرسم هي على نحو ما نعهد، أو إنما هي أرواح تتجلى لها الأعمال؛ فتبقى فيها بقاء المداد في القرطاس إلى أن يبعث الله الناس؟ كل ذلك لا نكلف العلم به؛ وإنما نكلف الإيمان بصدق الخبر، وتفويض الأمر في معناه إلى الله، والذي يجب علينا اعتقاده من جهة ما يدخل في عملنا هو أن أعمالنا تُحفظ وتُحصى، لا يضيع منها نقير ولا قطمير"١.

ونحو هذا تفسير تلميذه الشيخ محمد مصطفى المراغي لقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ٢؛ حيث قال: "والآية تدل بظاهرها على أن الجنة مخلوقة الآن؛ لأن الفعل الماضي يُفهم هذا؛ غير أنه من الجائز أن يكون من قبيل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ٣، فلا يدل على خلقها الآن، والبحث في هذا لا فائدة له ولا طائل تحته"٤.

وفي تفسير قوله تعالى: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} ٥ يقول: "وهل هذا الصوت صوت جهنم نفسها؛ بمعنى: أن المواد التي تلتهب فيها يُسمع لها هذا الصوت، أو هو صوت أهلها الذين ألقوا ويلقون فيها؟ لم يكلفنا الشرع تعيين أحد الأمرين، كما لم يكلفنا أن نعرف جهنم والجنة وسائر شئون عالَم الغيب معرفة كُنْه وتحديد؛ وإنما كل ما على المؤمن أن يعتقد أنه تعالى أعدَّ دارًا للأشرار تُسعر فيها النار وتفور، ويُسمع لها صوت على المعنى الذي يريده سبحانه


١ جزء عم: محمد عبده ص٣٦.
٢ سورة آل عمران: الآية ١٣٢.
٣ سورة الزمر: من الآية ٦٨.
٤ الدروس الدينية لعام ١٣٥٦هـ: محمد مصطفى المراغي ص٢١.
٥ سورة الملك: الآية ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>