للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلكم أن رجال المدرسة وهم يواجهون أو يعاصرون يقظة العالم الإسلامي الذي انبهرت طائفة منه بمعالم الحضارة الغربية اتجهوا كغيرهم من المصلحين إلى تلمس السبيل الأمثل لإصلاح المجتمع الإسلامي وَفْقَ أحكام الشريعة الإسلامية؛ بحيث تسبق هذه الأمة أمة الغرب أو تلحق بها مع التزامها لمبادئ دينها.

وهي مهمة غير ميسرة تحف بها العقبات، وتحيط بها المتاهات، وتزيغ بها الأهواء، وتلتبس بها السبل، فإن أحاط صاحبها نفسه بنور القرآن الكريم، ولم يَحِدْ عن نوره يَمْنَةً أو يَسْرَةً لم يزل على جادة الحق حتى ينجو وينجِّي، وإلا هلك وأهلك.

لا عجب أن يكون القرآن الكريم هو النبراس في دياجير الظلام؛ فقد وصفه منزله -عز شأنه- بقوله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ١.

ولا عجب أن يكون القرآن الكريم هو الهداية {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ٢.

ولا عجب أن يكون القرآن الكريم هو النور؛ فقد أنزله الله كذلك {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} ٣.

والتاريخ شاهد للقرآن بهذا؛ فليتأمل المتأمل في تاريخ المسلمين، وينظر إلى تلك الروح التي سرت في جسد الأمة الإسلامية في القرن الأول ما إن أشرقت أول شعاعة لهذا القرآن الكريم من غار حراء إلا والقلوب تأوي إليه والأفئدة تهفو إليه، وإذا بالفرد قد أصبح جماعة، وإذا بالجماعة قد أصبحت أمة، وإذا بالأمة قد أصبحت أممًا حتى خاطب حاكمها سحابة في عِنَانِ السماء: أيتها السحابة أمطري حيث شئت، فإن خراجك سيأتي إليَّ.


١ سورة إبراهيم: الآية الأولى.
٢ سورة الإسراء: من الآية ٩.
٣ سورة النساء: من الآية ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>