للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت هذه الأمة أمة مستذلة قبل أن يسري فيها نور القرآن، كانت تقول: "للبيت رب يحميه"، وما إن أشرق فيها نوره حتى صارت جنود مَن يحميه؛ بل لم تقف موقف الحماية؛ فهبت لتاج كسرى الوثني تلقيه، ولتاج قيصر الرومي تحطمه وترميه؛ حتى لا يقف حاجزًا لهذا النور، فليس هو لأمة دون أمة ولا لأرض دون أرض؛ إذًا فليفسح له السبيل، وليفتح له الطريق؛ حتى تشرق الأرض بنور ربها، وهكذا كان.

أشرق النور وانجلت الظلمات فصار الناس يرون الحق والسبيل السوي فيسلكونه، ويرون الباطل وطريق الضلال فيجتنبونه، نعموا بالعدل، وما أدراك ما هو؛ فقد بسطه نبي هذه الأمة، وما زالت كلمته تجلجل "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، وبسطه خلفه مَن بعده حتى قال خليفتهم: والله لو عثرت شاة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لِمَ لَمْ أمهد لها الطريق، قال ذلك في منتهى إدرك المسئولية على عاتقه.

ونعموا بالأمن فلا يضيع دم أحد هدرًا، حتى ولو اشترك أهل صنعاء في قتله، ولا يضيع مال حتى تقطع يد لنصف دينار منه، ولا يضيع شرف حتى يجلد صاحب كلمة تخدشه، أو ترجم نفس تنتهكه، أو تقطع أيدي وأرجل اعتدت عليها، ولن يُهدر سن ولا عين ولا جرح ولا شَعَرَة حتى يقاد لصاحبها ويقتص.

أي أمن هذا؟! وأي سلام؟! إنه أمن الإيمان، وسلامة الإسلام، الذي عجزت وتعجز أن تدانيه آية قوانين مستحدَثة، وآية أنظمة وضعية.

إذًا، فلا عجب أن يكون ذلكم الكتاب الكريم شاملًا لصلاح الدنيا وسعادة الاخرة، ولا عجب أبدًا أن يكون ملاذ المصلحين ودستور الحاكمين ومنار المهتدين، إليه يأوي أولئك يستمدون منه قواعد الإصلاح الاجتماعي وأسسه، وإليه يأوي هؤلاء الحاكمون يستمدون منه أصول الحكم الإسلامي، وإرساء قواعد الدولة الإسلامية، ويأوي إليه المهتدون ينعمون بفييء ظلاله وأمن جواره.

<<  <  ج: ص:  >  >>