كنت أقول: إن التاريخ شاهد على ما ذكرنا، وإنه شاهد -لا أشك في شهادته- أن الأمة الإسلامية تقوى بتمسكها به، وتضعف بتركها له أو إعراضها عنه.
سادت الدولة الإسلامية أرجاء واسعة من الأرض، بسطت عليها سلطتها، وأرست دعائم حُكْمها العادل، ثم ضعف تمكسها بالقرآن الكريم وأحكامه؛ فما لبثت أن بدأت تتهاوَى وتسقط الواحدة تلو الأخرى؛ حتى أصبحت غثاء كغثاء السيل، وحتى تداعت عليها الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها.
حتى أفاق العالم الإسلامي من نومته، واستيقظ من غفلته؛ فإذا به مكبلًا مقيدًا يبغي الفكاك، شمرت طائفة من العلماء عن سواعدها داعية إلى سبيل السلامة وما فيه النجاة، والتفتوا إلى القرآن الكريم يرسلون أنواره في زوايا الظلمات؛ حتى يكشفوا ما فيه هلاكهم فيحذروه، وما في نجاتهم فيسلكوه.
أرسلوا هذا النور القرآني إلى عادات باطلة صارت عقائد راسخة، وإلى عقائد أصيلة أصبحت في عالم النسيان، نبهوا المسلمين إلى عدوهم الحقيقي ليحذروه، ودعوهم إلى الإسلام وتحكيم مبادئه وترسيخ أصوله.
وكان من هؤلاء رجال المدرسة العقلية الاجتماعية، الذين شاء الله أن يعيشوا -أو كثير- منهم تلك الفترة؛ فقاموا حسب طاقتهم وجُهْدهم بهذه المهمة؛ فخاضوا في شتى القضايا، وبسطوا كثيرًا من الإصلاحات، وكان لهم شأن البشر حسنات وكان لهم غيرها.
اتجهوا إلى تفسير القرآن الكريم يطبقونه على مجتمعهم، فإن جاء ذكر عمل محمود أشادوا به ودعوا إلى امتثاله، وإن جاء ذكر عمل مذموم شنئوه وحذروا الناس منه؛ فكان هذا -وهو كذلك- هو المدخل الصحيح للمصلح الاجتماعي.
كانت القضايا الاجتماعية لا تكاد تحد ولا تعد، بدءًا من الحكومة الإسلامية والقواعد التي تقوم عليها، ومرورًا بالوَحْدَة الإسلامية والحرية الفردية والحرية السياسية وحرية العقيدة، ثم إصلاح العقائد من الخرافات والأوهام التي ألصقت بها إلصاقًا، ثم إصلاح التعليم وما أدراك ما التعليم! ثم إصلاح الاقتصاد عامة، ونشر الاقتصاد الإسلامي خاصة، ثم القضية التي يسمونها قضية