للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الشيخ أحمد مصطفى المراغي يستدل بقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} ١ على "أن سماع هذا الوعيد وأشباهه يُوجب على المؤمن أن يفكر طويلًا ويتأمل فيما وصل إليه حال المسلمين اليوم، وكيف أن علماءهم يجارون العامة في بدعهم وضلالاتهم وهم يعترفون ببعدها عن الدين، ولا يكون لهم وازع من نواهيه وقوارعه الشديدة وزواجره التي تخر لها الجبال سجدًا"٢.

وأكد هذا الشيخ محمد عبده بتفسيره الآية نفسها بقوله: "نقرأ هذا التشديد والوعيد، ونسمعه من القارئين، ولا نزدجر عن اتباع أهواء الناس ومجاراتهم على بدعهم وضلالتهم؛ حتى أنك ترى الذين يشكون في هذه البدع والأهواء، ويعترفون ببعدها عن الدين، يجارون أهلها عليها، ويمازجونهم فيها، وإذا قيل لهم في ذلك قالوا: ماذا نعمل؟ ما في اليد حيلة، العامة عمى، آخر زمان.

وأمثال هذه الكلمات هو جيوش الباطل، تؤيده وتمكنه في الأرض؛ حتى يحل بأهله البلاء، ويكون من الهالكين"٣.

وقد علق الأستاذ محمد رشيد رضا على تفسير أستاذه هذا بقوله: "وأعجب من هذا الذي ذكره الإمام أنك ترى هؤلاء المعترفين بهذه البدع والأهواء ينكرون على منكرها، ويسفهون رأيه، ويعدونه عابثًا أو مجنونًا؛ إذ يحاول ما لا فائدة فيه عندهم، فهم يعرفون المنكر وينكرون المعروف، ويدعون مع ذلك أنهم على شيء من العلم والدين.

وأعجب من هذا الأعجب أن منهم مَن يرى أن إزالة هذه المنكرات والبدع ومقاومة هذه الأهواء والفتن جناية على الدين، ويحتج على هذا بأن العامة تحسبها من الدين، فإذا أنكرها العلماء عليهم تزول ثقتهم بالدين كله لا بها خاصة!! وبأنها لا تخلوا من خير يقارنها؛ كالذكر الذي يكون في المواسم


١ سورة البقرة: من الآية ١٤٥.
٢ تفسير المراغي: أحمد مصطفى المراغي ج٢ ص١٢.
٣ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٢ ص١٨، ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>