للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} ١ بقوله: "والصبر خُلُق من أمهات الأخلاق؛ بل مساك كل خلق، قالوا في فضل الصبر: إنه ذُكر في القرآن نحو سبعين مرة، وليس لنا فائدة كبرى في تحديد العدد؛ ولكن جاء في الكتاب العزيز ذكر الصبر ومدح أهله وتبشيرهم بالفوز والفلاح، والصبر مَلَكَةٌ في النفس يتيسر معها احتمال ما يشق احتماله، والرضا بما يكره في سبيل الحق، وهو خُلُق يتعلق به؛ بل يتوقف عليه كمال كل خُلُق، وما أتى الناس من شيء ما أتوا من فقد الصبر أو ضعفه"٢.

وعن الخصام والرِّشوة يقول السيد رشيد: "وكم من ثروة نفدت، وبيوت خربت، ونفوس أهينت، وجماعة فرقت، وما كان لذلك من سبب إلا الخصام والإدلاء بالمال إلى الحكام، ولو تأدب هؤلاء الناس بآداب الكتاب الذي ينتسبون إليه لكان لهم من هدايته ما يحفظ حقوقهم، ويمنع تقاطعهم وعقوقهم، ويحل فيهم التراحم والتلاحم محل التزاحم والتلاحم"٣.

وفي بيان أحوال الأمم المقهورة يفسر السيد رشيد رضا قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} ٤ "ذلك أن الأمم إذا قهرها العدو ونكل بها يفسد بأسها ويغلب عليها الجبن والمهابة، فإذا أراد الله تعالى إحياءها بعد موتها ينفخ رُوح الشجاعة والإقدام في خيارها -وهم الأقلون- فيعملون ما لا يعمله الأكثرون، قال الأستاذ الإمام: وفي الآية من الفوائد الاجتماعية أن الأمم التي تفسد أخلاقها وتضعف، قد تفكر في المدافعة عند الحاجة إليها، وتعزم على القيام بها إذا توفرت شرائطها التي يتخيلونها، على حد قول لشاعر:

وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعان وحده والنزالا


١ سورة العصر: من الآية ٣.
٢ تفسير سورة العصر: محمد عبده ص٢٣، ٢٤.
٣ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٢ ص٢٠١.
٤ سورة البقرة: من الآية ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>