للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفاية المضطر من كل جنس ودين، وجعل بذل المال كفارة لبعض الذنوب، وندب صدقات التطوع والترغيب فيها، وذم الإسراف والتبذير والبخل والشح وإباحة الزينة بشرط اجتناب الإسراف، ومدح القصد والاعتدال في النفقة على النفس والعيال، ثم قال بعد هذا: "أرأيت أمة من الأمم تقيم هذه الأركان ويوجد فيها فقر مدقع أو غرم موجع أو شقاء مفظع؟ "١.

وقال في موضع آخر: "فماذا جرى لنا -نحن المسلمين- بعد هذه الوصايا والحكم حتى صرنا أشد الأمم إسرافًا وتبذيرًا، وإضاعة للأموال وجهلًا لطرق الاقتصاد فيها وتثميرها، وإقامة مصالح الأمة بها في هذا الزمن الذي لم يسبق له نظير في أزمنة التاريخ؛ من حيث توقف قيام مصالح الأمم ومرافقها وعظمة شأنها على المال؛ حتى إن الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد التي ليس في أيديها مال كثير قد صارت مستذلة ومستعبدة للأمم الغنية بالبراعة في الكسب والإحسان في الاقتصاد"٢.

ثم يُرجع السبب في ذلك إلى أولئك "الذين لبَّسوا علينا بلباس الصالحين؛ فنفثوا في الأمة سموم المبالغة في التزهيد، والحث على إنفاق جمع ما تصل إليه اليد؛ وإنما كان يريد أكثرهم إنفاق كسب الكاسبين عليهم، وهم كسالَى لا يكسبون لزعمهم أنهم بحب الله مشغولون"٢.

وجهود رجال المدرسة العقلية الاجتماعية في إصلاح أحوال البلاد الإسلامية الاقتصادية لا تُنكر، إلا أنه مع هذا وقع منهم ما نرفضه ولا نقره منهم؛ فكان لهم رأي في الربا المحرم، وأن المراد به ما كان أضعافًا مضاعفة، وقد بيَّنا -فيما سبق- ما ذهب إليه الأستاذ الإمام محمد عبده في ذلك، ودعوته إلى إباحة الربا للضرورة الاقتصادية، وزعمه أن تحريم الربا كان السبب في انتقال أموال المسلمين إلى الأجانب بأرباح فاحشة٣.


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١١ ص٢٩-٣١.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٤ ص٣٨٢، ٣٨٣.
٣ تاريخ الأستاذ الإمام: محمد رشيد رضا ج١ ص٩٤٤، وانظر آخر الأساس الرابع من هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>