للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاتله، فاحتكموا إلى موسى -عليه السلام- فأمرهم أن يذبحوا بقرة -كما ورد في القرآن- ثم ذبحوها، وأمرهم موسى أن يضربوه ببعضها فضربوا فقام وأخبر بقاتله ثم مات؛ فكانت حياته آية لموسى -عليه السلام- وحجة على المعاد.

لكن الشيخ رشيد رضا حمل القصة -تبعًا لأستاذه الإمام محمد عبده- على أنها نوع من التشريع الذي كان موجودًا في زمن بني إسرائيل؛ لأجل الوصول إلى معرفة القاتل المجهول في هذه الحادثة وأمثالها، لا على أنها وردت في حادث معين فيه معجزة لموسى -عليه السلام- ودليلهم في هذا ما ورد في التوراة؛ حيث قال الأستاذ الإمام: "على أن هذا الحكم منصوص في التوراة، وهو أنه إذا قتل قتيل لم يُعرف قاتله فالواجب أن تذبح بقرة غير ذلول في واد دائم السيلان، ويغسل جميع شيوخ المدينة القريبة من المقتل أيديهم على العجلة التي كسر عنقها في الوادي، ثم يقولون: إن أيدينا لم تسفك هذا الدم، اغفر لشعبك إسرائيل، ويتمون دعوات يبرأ بها مَن يدخل في هذا العمل من دم القتيل، ومن لم يفعل يتبين أنه القاتل، ويراد بذلك حقن الدماء، فيحتمل أن يكون هذا الحكم هو من بقايا تلك القصة، أو كانت هي السبب فيه، وما هذه بالقصة الوحيدة التي صححها القرآن، ولا هذا الحكم بالحكم الأول الذي حرفوه أو أضاعوه، وأظهره الله تعالى"١.

وأيده بهذا الرأي السيد محمد رشيد رضا بقوله: "وأقول: إن ما أشار إليه الأستاذ من حكم التوراة المتعلق بقتل البقرة هو في أول الفصل الحادي والعشرين من سِفْر تثنية الاشتراع"٢، ثم ساق السيد رشيد نصه وقال بعده: "والظاهر مما قدمنا أن ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل إذا وُجد القتيل قرب بلد ولم يُعرف قاتله ليعرف الجاني من غيره، فمن غسل يده وفعل ما رسم لذلك في الشريعة برئ من الدم ومن لم يفعل ثبتت عليه الجناية"٣.


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٣٤٧، ٣٤٨.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٣٤٧، ٣٤٨.
٣ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>