للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فثبت بنص القرآن الكريم وقوع هذه المعجزة لعيسى -عليه السلام- وحصولها منه، ويرى الشيخ محمد عبده وتلميذه السيد رشيد في تفسير آية آل عمران أن هذا يدل على إمكان وقوعها لعيسى -عليه السلام- ولا يدل على وقوعها من غير رجوع إلى آية المائدة، وهما -أيضًا- لا يستندان في نفيهما الوقوع إلى نص من الكتاب أو السنة؛ وإنما إلى عدم تناقل النصارى لهذا "!! " خاصة في الأناجيل القانونية عندهم، أما الأناجيل غير القانونية التي ورد فيها الأخبار بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وكون عيسى -عليه السلام- يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ونحو ذلك، فلا قيمة لهذه الأناجيل!! وإنما المستند إلى تلك التي لم يرد فيها شيء من ذلك.

ولندع الشيخ عبده يوضح لنا ذلك؛ حيث يقول في تفسير آية آل عمران: "وغاية ما يُفهم منها أن الله تعالى جعل فيه هذا السر؛ ولكن لم يقل: إنه خلق بالفعل، ولم يرد عن المعصوم أن شيئًا من ذلك وقع١.

ثم يقول: "فإن قصارى ما تدل عليه العبارة أنه خص بذلك، وأمر بأن يحتج به، والحكمة في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إقامة الحجة على منكري نبوته كما تقدم، وأما وقوع ذلك كله أو بعضه بالفعل فهو يتوقف على نقل يحتج به في مثل ذلك"١.

ويوضح لنا تلميذه النقل الذي يحتج به في مثل ذلك فيقول: "هذا ما قاله الأستاذ الإمام، ومن الغريب أن ابن جرير يروي عن ابن إسحاق "أن عيسى -صلوات الله عليه- جلس يومًا مع غلمان من الكتاب، فأخذ طينًا، ثم قال: أجعل لكم من هذا الطين طائرًا؟ قالوا: وتستطيع ذلك؟ قال: نعم بإذن ربي، ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطير فنفخ فيه، ثم قال: كن طائرًا بإذن الله؛ فخرج يطير بين كفيه"، فكأنه اتخذ آية الله على رسالته ألعوبة للصبيان، والحاصل: أنه ليس عندنا نقل صحيح بوقوع خلق الطير؛ بل ولا عند النصارى الذي يتناقلون وقوع سائر الآيات المذكورة في الآية، إلا ما في إنجيل الصبا أو الطفولة من نحو ما قال ابن إسحاق، وهو من الأناجيل غير القانونية عندهم، ولعل آية سورة


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٣ ص٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>