للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن هل يصح القول أنهم يظنون أنهم كذلك في آية المائدة السالفة:

{أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} ، لا شك أنهم وهم يقسمون يعلمون أنهم حانثون؛ لأن ما أقسموا عليه ليس في درجة الظن، بل حقيقته بينة في قلوبهم.

وهل يصح ذلك أيضا في آية سورة إبراهيم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} ، فهل كانوا يعتقدون حقيقة الخلود؟! أم أنهم كانوا يقسمون وهم يعلمون كذبهم وحنثهم، عنادا واستكبارا.

وبهذا الذي قلناه وغيره يظهر لنا أن الحلف والقسم على معنى سواء من ناحية الحنث وعدمه، ولا تصح هذه التفرقة التي توصلت إليها الدكتورة عائشة.

وتخطئ الدكتورة عائشة -وكلنا يخطئ ويصيب- أحيانا بعد أن تستقرئ آيات القرآن في لفظة واحدة لكنها والحماس يدفعها لا تصيب البيان الصحيح لبعض الآيات وذلك كالمثال السابق مباشرة، حيث ظنت أن المجرمين في ظنهم غير حانثين بالقسم، فبنت على ذلك ما بنت.

ومنه المثال الذي ذكرته قبل صفحات في استقرائها لدلالة "السعي" في القرآن الكريم.

ومنه أيضا ما قالته في معنى "مثقال" في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} ١، فقد ذكرت أن "مثقال" وردت في القرآن الكريم ثماني مرات في اثنتين منها أضيف مثقال إلى حبة من خردل. ثم رجحت أن المقصود بمثقال حبة من خردل هنا ليس خفة الوزن وإنما ضآلة الحجم. وفي المرات الست الباقية أضيف "مثقال" إلى ذرة رجحت في اثنتين منها "ضآلة الحجم"، ثم قالت: "على حين تتعين دلالة "مثقال ذرة" على خفة الوزن في الآيات الأربع٢ الباقية.


١ سورة الزلزلة: ٧.
٢ التفسير البياني: د/ عائشة عبد الرحمن ج١ ص١٠٠-١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>