للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهما الضبط والعدالة، فكثرة الغلط تنافي الضبط، والاتهام في الحديث يعارض العدالة. أما الإسلام والعقل فأمران بديهيان لم يلتزم شُعْبَةُ ذكر لفظهما، إذ كان لا يتصور العدالة من غير إسلام، أو الضبط من غير عقل وتمييز.

لكن المتأخرين من نقاد الحديث - حين أخذوا أنفسهم بدقة المصطلحات ووضوح المقاييس - نَبَّهُوا على الشروط جميعًا، فذكروا البديهيات أحيانًا، ولم يضنوا على طالب هذا العلم بالتبويب والتقسيم.

وشرط العقل يرادف عند المحدثين مقدرة الراوي على التمييز. فيندرج تحته البالغ تَحَمُّلاً وَأَدَاءً، والصبي المُمَيِّزُ تَحَمُّلاً لاَ أَدَاءً. فقد لُوحِظَ في شرط العقل البلوغ ضِمْنًا، لأن في وسع الصبي أن يتحمل الرواية، ولكنه لا يُؤَدِّيهَا إلا بعد بلوغه (١).

وَمِمَّنْ كثرت الرواية عنه من الصحابة، وكان سماعه في الصغير، أنس بن مالك وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخُدري. وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ يَذْكُرُ أَنَّهُ عَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فِي وَجْهِهِ مِنْ دَلْوٍ كَانَ مُعَلَّقًا فِي دَارِهِمْ، وَتُوُفِّيَ [النَّبِيُّ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ وَلَهُ خَمْسُ سِنِينَ (٢).

ولم يتفق المحدثون على مبلغ السن الذي يستحسن التحديث معه (٣)، فقال قوم: الحَدُّ في السماع خمس عشرة سَنَةً، وقال غيرهم: ثلاث عشرة. وقال جمهور العلماء: يصح السماع لمن سِنُّهُ دون ذلك. وبهذا الرأي الأخير أخذ


(١) انظر " الكفاية ": ص ٥٤، باب ما جاء في صحة سماع الصغير.
(٢) " الكفاية ": ص ٥٦.
(٣) انظر الآراء المختلفة حول هذه القضية في " الجامع لأخلاق الراوي ": ٤/ ٧١.