للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِلْمُ النُّزُولِ اكْتُبُوهُ فَهُوَ يَنْفَعُكُمْ ... وَتَرْكُكُمْ كَتْبَهُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَنَتِ

إِنَّ النُّزُولَ إِذَا مَا كَانَ عَنْ ثَبْتٍ ... أَعْلَى لَكُمْ مِنْ عُلُوٍّ غَيْرِ ذِي ثَبَتِ (١).

وعرف بعض نقاد الحديث للأسانيد النازلة مزية لم يعرفوها للعالي من الأسانيد، فرأوا «أَنَّ السَّمَاعَ النَّازِلَ أَفْضَلُ، لأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ جَرْحِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ وَتَعْدِيلِهِ، وَالاجْتِهَادُ فِي أَحْوَالِ رُوَاةِ النَّازِلِ أَكْثَرُ، وَكَانَ الثَّوَابُ فِيهِ أَوْفَرَ» (٢).

وبلغ بالمحدثين حسهم النقدي ذروة لا تسامى حين لاحظوا أن المعاصر حجاب، فكرهوا التحديث عن الأحياء (٣) كأنهم يخشون أثر الحب في حسن الظن وأثر الكره والمنافسة في إساءة الظن بالمروي عنه، فلا تكون أسس الجرح والتعديل سليمة ولا صحيحة. قََالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: ذَاكَرْتُ الشَّافِعِيَّ يَوْمًا بِحَدِيثٍ وَأَنَا غُلاَمٌ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ. فَقَالَ: «مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كَمَا حَدَّثْتُكَ. وَإِيَّاكَ وَالرِّوَايَةَ عَنِ الأَحْيَاءِ» (٤). وقال ابْنُ عَوْنٍ: «قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: أَلاَ أُحَدِّثُكَ؟» (قَالَ): فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «أَعَنِ الأَحْيَاءِ تُحَدِّثُنِي أَمْ عَنِ الأَمْوَاتِ؟» قَالَ: «قُلْتُ، لاَ بَلْ عَنِ الأَحْيَاءِ»، قَالَ: «فَلاَ تُحَدِّثْنِي عَنِ الأَحْيَاءِ» (٥).


(١) " الجامع ": ١/ ١٤ وجه ٢. ويراد بعلم النزول في هذين البيتين معرفة الأسانيد النازلة البعيدة عن النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو عن الأئمة الأعلام.
(٢) " الجامع ": ١/ ١١ وجه ٢.
(٣) " الكفاية ": ص ١٣٩.
(٤) " الكفاية ": ص ١٤٠.
(٥) " الكفاية ": ص ١٣٩.