للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُرَاعَى حتى أواخر القرن الثالث الهجري بتحفظ شديد، وَحِيطَةٍ بَالِغَةٍ، لتيسر السماع وتداول هذه الألفاظ على ألسنة الشيوخ والتلاميذ. بَيْدَ أَنَّ الرُوَّاةَ اضطروا بعد ذلك إلى كثير من التساهل في هذه الشروط، فاكتفوا في تعديل الراوي بشروط العقل والبلوغ والإسلام والضبط وعدم التظاهر بالفسق لأن الرواية باتت دراسة للكتب، لا نقلاً بالمشافهة والسماع (١).

وأما شرط الإسلام، فهو واضح في نفسه، كما أن الغاية من اشتراطه واضحة: فالراوي يؤدي أحاديث وأخبارًا وآثارًا تتعلق بهذا الدين، وبأحكامه وحكمه وتشريعاته: فالأحوط أن يقوم بهذا الشأن من كان مؤمنًا بهذه العقيدة التي يتحمل مسؤولية تفهيمها للناس. على أن الإسلام يشترط عند أداء الرواية لا عند تحملها (٢)، فقد قبلت رواية جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الطُّورِ» مع أنه كان قد جاء في فداء أسرى بَدْرٍ ولم يكن قد أسلم بعد، وقال عن نفسه - كما في " صحيح البخاري ": «وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي».


(١) " اختصار علوم الحديث ": ص ١١٩.
(٢) " الكفاية ": ص ٧٦.