للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العَمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ» (١).

ولا خلاف بين المحدثين في أن كُلاًّ من المتواتر اللفظي والمعنوي يوجب العلم القطعي اليقيني، وإنما هم يختلفون في الحديث الصحيح الآحادي هل يفيد الظن أم القطع، فالنووي في " التقريب " يراه ظني الثبوت، وأكثر أهل الحديث يقطعون منه بما أخرجه الشيخان، البخاري ومسلم، وبعضهم يُرَجِّحُونَ أن الآحادي الصحيح، سواء أأخرجه الشيخان أم سواهما، يفيد العلم القطعي اليقيني كالمتواتر بقسميه عَلَى حَدٍّ [سَوَاءٍ]. قال ابن حزم (٢): «إَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ العَدْلِ عَنْ مِثْلِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوجِبُ العِلْمَ وَالعَمَلَ مَعًا» (٣).

ورأي ابن حزم أجدر بالاتباع، إذ لا معنى لتخصيص أحاديث " الصحيحين " بإفادة القطع، لأن ما ثبت صحته في غيرهما ينبغي أن يحكم عليه بما حكم عليه فيهما، فما للكتابين من منزلة خاصة في قلوب المؤمنين لا ينبغي أن يقلل من قيمة الصحيح في الكتب الأخرى، كما أنه لا معنى للقول بظنية الحديث الآحادي بعد ثبوت صحته، لأن ما اشترط فيه لقبول صحته يزيل كل معاني الظن، ويستوجب وقوع العلم اليقيني به (٤).

والحديث الصحيح يُسَمَّى «غَرِيبًا» إذا تفرد بروايته واحد ثقة، وتكون


(١) " شرح النخبة ": ص ٤.
(٢) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره. أشهر مصنفاته " المُحَلًَّى " و " الفصل في الملل والأهواء والنحل ". تُوُفِّيَ سَنَةَ ٤٥٦ هـ.
(٣) " الإحكام ": ١/ ١١٩ - ١٣٧ وفيه [بَحْثٌ] قَيِّمٌ في هذا الموضوع. وانظر " إغاثة اللهفان " لابن القيم: ص ١٦٠ (ط. الميمنية بالقاهرة).
(٤) قارن بـ " الباعث الحثيث ": ص ٣٩.