للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحدثين: ففيها تنوع في التعبير يتجلى بوضوح في الألفاظ الأربعة الأولى، عندما يقارن المُجَوَّدَ بِالجَيِّدِ ن والثابت بالقوي. ويستأنس لذلك بقول الإمام أحمد: «أَجْوَدُ الأَسَانِيدِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ» عوضًا عن «أَصَحُّ الأَسَانِيدِ» (١) وقد حكى ابن الصلاح هذه العبارة عن أحمد كما أخرجها عنه الحاكم أبو عبد الله، فاستنتج منها بعض العلماء أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجَيِّدِ والصحيح (٢). ثم إن الترمذي عَبَّرَ أحيانًا بقوله: «هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ» بدلاً من عبارته المشهورة التي أشرنا إليها «حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وكأنه عدل عن اصطلاحه المشهور لارتقاء الحديث عنده عن الحسن لذاته وتردده في بلوغ الصحيح، فهو حسن لذاته وصحيح لغيره. وذلك يعني أن التعبير بالجودة يشمل الحسن كالصحيح.

وَيُخَيَّلُ إلينا أن السيوطي يرمي إلى هذا حين يقول: «إِلاَّ أَنَّ الْجِهْبِذَ مِنْهُمْ لاَ يَعْدِلُ عَنْ صَحِيحٍ إِلَى جَيِّدٍ إِلاَّ لِنُكْتَةٍ، كَأَنْ يَرْتَقِيَ الحَدِيثُ عِنْدَهُ عَنِ الحَسَنِ لِذَاتِهِ، وَيَتَرَدَّدُ فِي بُلُوغِهِ الصَّحِيحَ، فَالوَصْفُ بِهِ أَنْزَلُ رُتْبَةً مِنَ الوَصْفِ (بِصَحِيحٍ)،


(١) " معرفة علوم الحديث: ص ٥٤. ومما يستأنس به أيضًا على غلبة المعنى اللغوي على هذه الألقاب تعبير المحدثين عما يعجبهم من الروايات «بِجِيَادِ الأَحَادِيثِ وَعُيُونِهَا» = " الجامع ": ٧/ ١٢٧ أو قول أحدهم: «لاَ حَدِيثَ أَجْوَدَ مِنْ هَذَا» = " الجامع ": ٧/ ١٣٤. بل لقد بلغ بهم الانطباع بلغة الحديث ومصطلحه أن صاروا يحكمون على ما يستحسنونه من الآراء والتوجيهات يمثل قولهم: «هَذَا جَيِّدٌ حَسَنٌ» = " التوضيح ": ١/ ٣٢٧.
وحتى في التدليس - وهو من أسباب ضعف الحديث كما سنرى - استخدم النُقَّادُ لَفْظَيْ الجَوْدَةِ وَالتَّجْوِيدِ. يقولون: جَوَّدَ السَّنَدَ إذا أسقط منه الضعفاء وذكر الأجواد على طريقة تدليس التسوية (انظر " توضيح الأفكار ": ١/ ٣٧).
(٢) " التدريب ": ص ٥٨.