للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: " قَالَ الزُّهْرِيُّ كَذَا "، فَقِيلَ لَهُ: أَسَمِعْتَ مِنْهُ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ الرَزَّاقِ عَنْ مَعْمَرَ عَنْهُ» (١). فسفيان قد عاصر الزهري ولقيه، ولكنه لم يأخذ عنه فيصح سماعه منه، وإنما أخذ عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق أخذ عن معمر، ومعمر أخذ عن الزهري، فالتدليس هنا إسقاط سفيان شيخيه وإيراده الحديث بصيغة توهم سماعه من الزهري مباشرة.

وهذا أشد قسمي التدليس وأشنعهما وأدلهما على الكذب. قَالَ شُعْبَةُ: «لأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ» (٢). وَقَالَ: «التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ» (٣). وكان الشافعي يَرُدُّ مُطْلَقًا من عرف بالتدليس في الإسناد ولو مرة واحدة، ولكن أكثر العلماء على أن الراوي الذي نسب إلى التدليس يقبل من روايته ما صرح فيه بلفظ السماع، ويرد منها ما كانت عبارته محتملة مبهمة (٤).

وقد تتبع الحاكم البلاد التي أكثرت من رواية هذا القسم من التدليس، والبلاد التي لم يعرف فيها هذا الكذب في الرواية، فرأى أَنَّ «أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي، [لَيْسَ التَّدْلِيسُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَكَذَلِكَ] أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَالْجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ، وَبِلاَدُ فَارِسَ، وَخُوزِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهَرِ - لاَ [يُعْلَمُ] أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسَ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَأَمَّا مَدِينَةُ [السَّلاَمِ] بَغْدَادَ، ... فَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا التَّدْلِيسُ، [إِِلاَّ] أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيِّ الْوَاسِطِيِّ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ التَّدْلِيسَ بِهَا» (٥).


(١) " اختصار علوم الحديث ": ص ٥٨.
(٢) " التوضيح ": ١/ ٣٦٦.
(٣) وقد قال هذا شُعْبَةُ، ونقله الشافعي، وليس قائله (انظر " الباعث الحثيث: ص ٥٨).
(٤) " اختصار علوم الحديث ": ص ٥٨.
(٥) " معرفة علوم الحديث ": ص ١١١، ١١٢.